تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مصطلح التلقي عند حازم القرطاجني]

ـ[أبو حسن المنصوري]ــــــــ[18 - 10 - 2009, 07:54 م]ـ

لح التلقي لدى حازم القرطاجني أنموذجا

15 شباط (فبراير) 2007بقلم الدكتور محمد بنلحسن

إن أبرز ما يسترعي انتباه قارئ منهاج البلغاء وسراج الأدباء، إصرار حازم القرطاجني البين، على استعمال ألفاظ ومصطلحات خاصة بأثر الكلام في نفس المتلقي. لذا، يعسر الحديث عن التلقي عند هذا الناقد من خلال مصنفه أعلاه، بالاقتصار على مكنونات نقده وحدها، ويتأبى القفز على تلك الثروة اللفظية المصطلحية التي تقف بارزة مسفرة، عن امتلاء روح صاحبها بأثر الكلام في النفس. بمقتضى هذه الحقيقة البادية للعيان، ارتأيت التريث عند الحقل المعجمي في المنهاج، لرصد ألفاظه ومصطلحاته الدالة على تلقي الشعر.

وليس هذا الحشد اللافت لتلك الألفاظ والمصطلحات من لدن ناقدنا، سوى مظهر من مظاهر عناية حازم القرطاجني بالمصطلحات أثناء صياغته مشروعه التنظيري، لا سيما وسط تلك الظروف القاتمة التي طمست حقيقة الشعر، مما انعكس سلبا على ذوق المتلقي، لأن "الطباع قد تداخلها من الاختلال والفساد أضعاف ما تداخل الألسنة من اللحن، فهي تستجيد الغث وتستغث الجيد من الكلام ما لم تقمع بردها إلى اعتبار الكلام بالقوانين البلاغية" (). وأظن أن هذا التكثيف للمصطلحات والألفاظ المثيرة للنفس، والمستفزة لانفعالها، المدخل الرئيس واللبنة الأولى في تلك القوانين.

وقد انتبه لهذا الوعي المصطلحي الحازمي عدد من دارسي نقده، فهذا الدكتور إحسان عباس، يقول: "وهو لذلك يدل على أنه لم يترك مصطلحا يمكن الإفادة منه في منهجه النقدي إلا حشده لهذه الغاية" (). ولاحظ الأمر نفسه الدكتور علي لغزيوي، وعبر عنه بقوله: "وقد أدرك حازم أهمية المصطلح فاعتنى به عناية زائدة، سواء أتم ذلك على صعيد التصور النظري، أم على صعيد التعريف وتحديد المفاهيم، أو على صعيد الاستعمال المجرد" ().

وإذا عدنا إلى كلام حازم القرطاجني في المنهاج، وجدنا إحساسا قويا من لدن ناقدنا بقضية الاصطلاح، يقول وهو بصدد الحديث عن ضروب التركيبات في أوزان الشعر العربي: "لا تشاح في الألفاظ كما أنه لا حرج على من عدل عما تقتضيه تلك الأسامي في المسميات إذا أراد الإفصاح عن جهات مشابهاتها لما نقلت إليها منه التسمية والتمثيل الصحيح في ذلك" ().

وإلى الحكم نفسه خلص عند حديثه عن المطابقة بقوله: "يسمى تضاد المعنيين تكافؤا، ولا تشاح في الاصطلاح" (). وذكر في باب حديثه عن الأوزان أيضا: "مما بني على أربعة أركان الوزن الذي قدمت أن المحدثين هم الذين علم من أقوالهم، ولا يبعد أن يكون من وضع العرب فإنه متناسب الوضع، فيجب أن يلحق بما يستعمل من الأوزان ولنصطلح على تسميته باللاحق لهذا المعنى"6 لاحظ كيف أن حازما القرطاجني لا يقتصر على إيراد المصطلحات الدقيقة المناسبة، بل يهتم في نقده بضبطها وذلك بالنص على تسميتها بما حدده لها من معنى.

إن الاصطلاح يجب -حسب حازم القرطاجني- أن يكون محل اتفاق موجب للانقياد له عند الاستعمال، يقول في معرض بيانه مواقع المعاني من النفوس: "البصراء بهذه الصناعة، كأبي الفرج قدامة وأضرابه، قد نص جميعهم على قبح إيراد المعاني العلمية والصناعية والعبارات المصطلح عليها في جميع ذلك، ونهوا عن إيراد جميع ذلك في الشعر"7 وقد نبه على الأمر عينه في باب حديثه عن اجتلاب المعاني وتأليفها بقوله إن "المعاني التي ليس لها وجود خارج الذهن أصلا، إنما هي أمور ذهنية تقع في الكلام بتنوع طرق التأليف في المعاني والألفاظ، والتقاذف بها إلى جهات من الترتيب والإسناد، وذلك مثل أن تنسب الشيء إلى الشيء على جهة وصفه به أو الإخبار به عنه أو تقديمه عليه في الصورة المصطلح على تسميتها فعلا أو نحو ذلك"8

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير