تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[رأي في الأسلوب]

ـ[المستعين بربه]ــــــــ[05 - 07 - 2009, 06:14 م]ـ

[رأي في الأسلوب]

الأسلوب هو الوعاء اللفظي أوالكتابي أوالإشاري الذي يجعله الكاتب أوالمتحدث قناة يعبر بها عما يريد من أفكار لهذا جاءت هذه الخاطرة عن الأسلوب وتوصيفه.

الكاتب الحق هوالذي يستطيع أن يوحي للقاري بأنّ كل لفظة رحمٌ لما بعدها فعندما تقرأ لمن هوعلى هذه الحالة فإنك تحس جمال و ترابط الفكرة وجمال العبارة. ولا تقرأ جملا اعتنى الكاتب بتحبيرها. فمن يكتب لإيصال فكرة ويجري بأسلوب بلاغة اللفظة فإنك تجد المتعة في عرضه ويستطيع أن يغري القاريء أو السامع بالاستمرار والإيمان بما يقول.بخلاف من كانت عنايته بتجميل الجملة؛ فإنّك تقرأ لمثل هؤلاء فلا تجد في نفسك ميلاإلا إلى جمال العبارة لاإلى أصالة الفكرة. فعندما نقرأ للتنوخي أوالجاحظ فإننا في أحسن حالاتنا الانفعالية مع النص نستمتع بجمال اللفظة التي تتركب منها الجمل وبعد الفراغ من القراءة نجدأنّ محصلة المران والتدريب على الكتابة وتأصيل أسسها في نفس القاريء لاتوازي مابذل من وقت وكدذهني لأجل استظهار الفكرة.

ولكن هذا النوع من الكتابة يخرج منه القاريء بثروة لفظية أكثر من خروجه بحسٍ قادر على الكتابة ولا تزيده مرانًا ودربة.

ومن الفروق بين بلاغة الفكرة المعتمدة على جمال اللفظة وبلاعة الفكرة المعتمدة على بلاغة الجملة. أنّك تقرا قدرًا كبيرًامن الأسطر يعالج فيها الكاتب ـ المعتمد على جمال اللفظة ـ أمرا معينا فلاتكاد تحذف لفظة واحدة إلا ويكون البناء التسلسلي للفكرة قدتصدع. وهذا من محاسن هذا الفن؛فهو معتمد على الارتباط العضوي المحقق ما قلته سابقا: بأنّ كل لفظة ستكون رحمًا لمابعدها.

أما في حال من يرى أنّ العناية يجب أن تنصب على الجملة فإنّك تستطيع نزع أي من هذه الجمل ويبقى بناءا لفكرة ـ الذي أراد الكاتب ـ سليمًا لأنّ معالجة الفكرة بأسلوب العناية في الجمل يكثر فيه إيراد المعنى بجمل متعددة.

والعناية ببلاغة الجمل هوماسار عليه بعض من كتابنا الأوائل. أمثال الجاحظ والتوخي وابن زيدون في رسالته الهزلية.

مثال من رسالة ابن زيدون الهزلية, وهي الرسالة التي كتبها على لسان ولادة بنت المستكفي إلى ابن عبدوس؛ بأسلوب تهكمي ساخرومماقال: [أمابعدأيها المصاب بعقله المورط بجهله, البين سقطه الفاحش غلطه العاثر في ذيل اغتراره الأعمى عن شمس نهاره الساقط سقوط الذباب على الشراب المتهافت تهافت الفراش في الشهاب ... ] فهذه جمل تحمل جمالا في ذاتها ولكن حذف أي منها لايؤثرفي المعنى الذي أراده الكاتب, وهذ الجمل تشبه في مستوى الارتباط بينهاأبيات قصائد الهجاء.

ومن المعروف أنّ شعر ابن زيدون من أعذب الشعر لفظة ً وعاطفته من أرق الشعراء, ويكفينا مثالا على هذا نونيته التي مطلعها:

أضحى التنائي بديلا من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا

ومنها:

مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا

أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا

غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا

نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا

ولإيضاح تفوق المعالجة بأسلوب البناء اللفظي فإني أشبه معالجة الفكرة بمنهج البناء اللفظي المعتمد على انتقاء اللفظة أشبهه بالساق الذي يحمل السنبلة. فلوأخذنا ساقًا من هذه السوق فإننا سنجد أنّه يتكون من مجموعة من العقد كل عقدة تحمل مافوقها ولو ضعفت عقدة من العقد لأضعفت مابعدها وهكذا حتى تنتهي إلى السنبلة وهذا هو البناء الأسلم لإيصال فكرة معينة.

وهذا يجذبني إلى الحديث عن اثر بلاغة اللفظة في أداء المعنى الذهني؛ فالناس ـ خاصتهم وعامتهم ـ يشتركون في حمل المعاني الذهنية, ولكنهم يتفاضلون في بلاغة اللفظة التي يؤدون بها المعنى الذهني.

وتفاضل الناس في إبرازمالديهم من المعاني يشهد له قوله صلى الله عليه وسلّم: [ ... فلعل أحدكم يكون ألحن بالحجة من صاحبه فأقضي له ... ] أوكماقال عليه الصلاة والسلام؛ والمقصودبألحن هنا أي أقدر على ألإبانة عمافي نفسه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير