[النقد الأدبي عند الفلاسفة المسلمين]
ـ[محمد أبو النصر]ــــــــ[21 - 06 - 2009, 06:23 م]ـ
ملامح من النقد الأدبي عند الفلاسفة المسلمين
(الفارابي – ابن سينا – ابن رشد)
إن دراسة النقد عند الفلاسفة المسلمين لا تتضح إلا بمعرفة النقد عند اليونانيين، حيث أن الثقافة العربية تدين للثقافة اليونانية التي تلقفها العرب وأفاضوا في تفسيرها والإضافة إليها، وقد يعتبرني البعض أنني مغال فيما أقول، ولكنه موقف من طالب علم باحث حاول أن يكون صريحا مع نفسه أولا، ثم مع الأخرين ثانيا وآية الأمر أنني سأحاول هنا في هذا البحث أن أعبر عن أفكاري مصحوبة بالقرينة والدليل.
لا شك في أننا قد وجدنا في الكتب أثناء البحث أن الفلاسفة والأدباء والنقاد والبلاغيين العرب قد تأثروا بمن سبقهم من فلاسفة اليونان، كأرسطو وأفلاطون، حيث يبدو هذا التأثر واضحا خاصة في كتاب فن الشعر لأرسطو على الفلاسفة المسلمين أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد.
لم يعرف النقاد العرب أو الفلاسفة المسلمين أي تأثر بالنقد الغربي إلا عام 328 هـ حينما قام (بشر بن متى) بترجمته لكتاب فن الشعر، ثم قام بتلخيصه الفارابي، ثم قام بترجمته مرة أخرى ابن سينا، ومنذ هذا الوقت بدأت نظرية أرسطو في الشعر تجد صداها في نقد الشعر العربي، ونجد أن هؤلاء الفلاسفة لم يخصصوا كتابات مستقلة بعينها للشعر أو للنقد، فلم نجد سوى الترجمات والشروح التي ذكرناها لهم.
ولكي تتضح الأمور أكثر علينا أولا أن نمهد بكلام أرسطو في الشعر، والتخييل، والمحاكاة، وغير ذلك ثم نعرض كلام كل من الفارابي، وابن سينا، وابن رشد ونحاول خلق موازنة بينهم.
هناك العديد من القضايا المهمة التي أثيرت من الدارسين حول كتاب فن الشعر لأرسطو ومن هذه القضايا معنى المحاكاة عند أرسطو.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)
فهو جعل الفن محاكاة، وعندما عدد أنواع الشعر جعلها كلها قائمة على المحاكاة، وفسر المحققون لكتاب (فن الشعر) المحاكاة عند أرسطو في عدة أشياء ومنها:
أولا:
المحاكاة أساس كل فن لكنها تختلف في وسائل المحاكاة المتمثلة في الإيقاع واللغة والانسجام وتختلف أيضا في موضوع المحاكاة.
" فالمحاكاة الشعرية هي ذلك الإلهام الخلاق الذي به يستطيع الشاعر أن يوجد شيئا جديدا على الرغم من استخدامه لظواهر الحياة وأعمال البشر " (1)
لذلك نرى أن المحاكاة عند أرسطو هى إعادة خلق ونراها موجهة للطبيعة مباشرة عكس المحاكاة عند أفلاطون فهى موجهة لعالم المثل.
ثانيا:
المحاكاة أداة للتمييز بين العلوم وجدت أنه هناك كثير من الأدياء ناقشوا قضية المحاكاة وما يتعلق بها وموقف الشعراء منها وربطها بالعلوم والفنون وأجمل كلام وجدته هنا كان كلاما للأستاذه سهير القلماوي حيث قالت:
" بغير المحاكاة لا يمكن أن توجد أي صورة من صور الفن " (2)
فأرسطو هنا جعل المحاكاة للتمييز بين ما يسمى بالعلوم الإنتاجية أو الإبداعية وغيرها من العلوم العملية أو النظرية فالنظم وحده لا يكفي لنقل نظرية فلسفية أو رسالة طبية من باب الفن الشعري لأن الشعر لا يكون شعرا إلا بالمحاكاة، فالمحاكاة عنده هى العامل المشترك بين الشعر و الفنون الأخرى.
والمحاكاة أيضا من وجهة نظر أرسطو هى التي تميز لنا بين عمل الشاعر المسرحي/التراجيدي، وعمل الشاعر في الملحمة المعتمد على السرد فقط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
1 - ابن رشد، تلخيص كتاب الشعر، تحقيق محمد سليم سالم، ص57
2 - سهير القلماوي، فن الأدب ص 92
(3)
يقول " إن الشعر الملحمي والتراجيدي، وكذلك الكوميدي، وفن تأليف الديترامبيات، وغالبية ما يؤلف للصفير في الناي، واللعب على القيثارة. كل ذلك –بوجه عام- أشكال من المحاكاة " (1)
¥