[تساؤلات نقدية في النسق من خلال حدث أدبي]
ـ[هكذا]ــــــــ[16 - 04 - 2010, 07:15 ص]ـ
:::
وبعد السلام وطلب الرحمة والبركة من الله عز وجل لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فهذا موضوع نشر في صحيفة عكاظ هذا الصباح لصاحبكم "هكذا" , ويطيب لي وضعه بين أقلامكم عله يجد بغيته من النقد والتوجيه:
عندما يقف الأسر عند حدود الأغلال:
في أسرِهِ حلت المفارقة، وولدت الروائع المسمّاة بالروميات؛ كظاهرة خلاّبة في الشعر العربي، بل في الشعر العالمي، بناءً على ما يشير إليه الدكتور /ريجيس بلاشير من أنّ "أبا فراس الحمداني "يذكِّره بحياة الشاعر الفرنسي (شارل دورليان)، والذي أسره الإنكليز
ومثل هذا التشابه الذي تفطَّن له بلاشير هو ما نحتاجه –فعلاً- في دراسة الأدب المقارَن، وليس التعسُّف من خلال ما يطرحه بعض الدارسين عبر القول بأنّ عنترة العبسي تأثَّر بالإلياذة!!
على العموم، وعودًا على أسر الروم لأبي فراس, فليس بالغريب في الأدب عمومًا بأن يمدح الشاعر مَن أسروه؛ رغبة في الفكاك، كما فعل الأعشى حينما شدَّ وثاقه علقمة بن علاثة , فقال:
أَعَلقَمُ قَد صَيَّرَتني الأُمورُ ...... إِلَيكَ وَما كانَ لي مَنكَصُ
أو أن يمتدح من أسروه، ثم يفتخر بقومه عل وعسى؛ كما فعل أبو الطمحان، فقال:
فَإِنَّ بَني لأم بنِ عمرٍو أَرومَةٌ ...... عَلَت فَوقَ صَعبٍ لا تَنالُ مَراقِبُه
وَإِنّي مِنَ القَومِ الَّذينَ هُمُ هُمُ ...... إِذا ماتَ مِنهُم سَيِّدٌ قامَ صاحِبُه
أو حتى أنْ يسوقَ مآثره؛ توجُّدًا ممّا أصابه، دون مدح أو قدح، كما قال أعشى همدان عندما أسرته الديلم:
فَلَئِن أَصابَتني الحُروبُ فَرُبَّما ..... أُدعى إِذا مُنِعَ الرِدافُ فَأُردِفُ
ولكن أبا فراس قلب للمتوقّع ظهر المجن، ولن أقول بأنه خرج عن المألوف عندما وقف متشامخًا على مَن أسروه؛ لأن التشامُخ في الأسر -كما يطرح الدكتور أحمد البرزة في كتابه "الأسر والسجن في شعر العرب"- منهجٌ وفن برز في الأدب العربي وأخذ في الانتشار، مع انتشار الأسر والسجون في حياتهم، بالكثرة التي لم تكن في الجاهلية مشيرا إلى أنّ رائد التشامُخ على مَن حبسوه هو الشاعر الأموي الأحوص، ومن ثمّ على ابن الجهم وإبراهيم بن المدبّر، الذين قاموا إضافةً إلى ذلك بتحسين الحبس ومداهنة النفس ".
ومع حفظنا للسابقين بالفضل، إلا ان أبا فراس ومن خلال رومياته يُعتبَر إمامًا في ذلك ونبراسًا. وقطعًا إن هذه العجالة لن تلمّ بقضايا هذا الفن وأبعاده, والذي بلا شك ستختلف حوله وجهات النظر بحسب التيارات المتناحرة, فلربما قال قائل: هذه والله العزة القعساء , ولربما خالفه آخر ليقول: هذه والله النعرة العربية التي أودت بنا إلى المهالك؟!.
من هنا تتوارد أسئلة كثيرة، ولكن سرعان ما يفاجئنا أبو فراس بإجابة سريعة، ليعلن من خلالها أنه لا يأنف الأسر؛ إلاّ لأنه يخشى أن يأتيه ملك الموت في دار غربة وهو ممدّ على أيدي الروم, فيقول:
وَما الأَسرُ مِمّا ضِقتُ ذَرعاً بِحَملِهِ ....... وَما الخَطبُ مِمّا أَن أَقولَ لَهُ قَدي
وَلَكِن أَنِفتُ المَوتَ في دارِ غُربَةٍ ......... بِأَيدي النَصارى الغُلفُ ميتَةَ أَكمَدِ
ليجعلنا أمام نسقٍ ثقافيٍ، لم يعد معروفًا, فمَن هو الآن الذي لا يتمنى الفرصة العلاجية في المصحات الغربية فيما لو ألمّ به مرض أو حتى للنقاهة؟! , ولكن يظهر أن عداء أبي فراس "للآخر" له مبررّاته بناءً على عدم وجود تبايُنٍ ثقافيٍ، كما هو في عصرنا، يقتل التناحُر ويفرض التبعية، إضافةً إلى أن القوم ناقشوه في موضوع لا يقبل منهم نقاشًا فيه, ليقول مغضبًا:
أَما مِن أَعجَبِ الأَشياءِ عِلجٌ ..... يعَرِّفُني الحَلالَ مِنَ الحَرامِ
بل ممّا يبرّر عداء أبي فراس–أيضًا- غلوّ القوم معه إبّان أسره إلى حد المفاخرة، ممّا جعل الفتى، وفي قصيدة أخرى يخرج عن طوره، ويقول مخاطباً سيدهم:
أَتَزعَمُ ياضَخمَ اللَغاديدِ أَنَّنا ... وَنَحنُ أُسودُ الحَربِ لانَعرِفُ الحَربا؟
ففَسَل بَردَساً عَنّا أَخاكَ وَصِهرَهُ ... وَسَل آلَ بَرداليسَ أَعظَمُكُم خَطبا!
فيُلحَظ في هذه الأبيات أنّ الشاعر هنا أتى بأسماء أجنبية " َردَسًا", " بَرداليسَ"، وما أحسبه جاء بها لتكتب في ديوانه بالأحرف اللاتينية، لتبرزه في ما بعد كمثقف متصالح مع الآخر, بل الظاهر أنه يبتغي من وراء ذكرها عكس ما تبتغيه بعض النخب الثقافية في عصرنا ليؤكِّد أننا فعلاً أمام ظاهرة شعرية ونسق ثقافي، يستحقّ العناية النقدية بجميع مناهجها.
ـ[هكذا]ــــــــ[16 - 04 - 2010, 07:18 ص]ـ
رابط الموضوع في الصحيفة ولكم خالص التحية من أخيكم هكذا "مشعل البراق"
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20100416/Con20100416344732.htm
ـ[هكذا]ــــــــ[16 - 04 - 2010, 07:28 ص]ـ
أعد الهمزة إلى الواو" في العنوان " ياصديقي محمد.
ـ[أحاول أن]ــــــــ[20 - 04 - 2010, 06:48 ص]ـ
شكرا لك أستاذ مشعل على هذا المقال الراقي ..
أثار مقالك سؤالا حول النسق الثقافي وأبو فراس و"الآخر ":
كان أبوفراس مسالما -بل فخورا بالروم - قبل الأسر؛لأنهم أخواله كما قال:
إذا خفتُ من أخوالي الروم خطه ********* تخوفت من أعمامي العُرب أربعا
فهل يمكن أن نعتبر عداءه مرهونا بظروف الحرب وإلا فإنه كان في السلم متصالحا مع الآخر؟
رائعٌ ما أوردتم من أمثلة على حواراته مع الروم الذين يعلمونه الحلال من الحرام وأمور الحرب! وما أكثر ما ذمهم شعرا ونثر في قصص أسره ..
جزيت خيرا ودمت مباركا ..
¥