[الذاتية وانسحاق الذات الشاعرة]
ـ[عصام محمود]ــــــــ[26 - 01 - 2010, 09:11 م]ـ
[الذاتية وانسحاق الذات الشاعرة]
قراءة في ديوان وردة لا تبوح
ليس من أهداف النقد إبراز أخطاء للشاعر فهذه ليست وظيفة النقد الحقيقية لكن الوقوف على المناطق التي تجذب الناقد سلبا أو إيجابا، كما أن النقد غالبا ما يبدأ بالعنوان،لكن هذه المرة سأخالف هذه الأمر لضرورة سوف تظهر بعد ذلك.
والعلاقة بين الشاعرية والذاتية قوية وطيدة، فلا يمكن للشاعر إلا أن يكون نفسه، لكن الأزمة التي يعيشها الفنان تبرز بقوة حين تسيطر الذات الشخصية على الشاعرية، ويمثل ديوان (وردة لا تبوح) صورة لانسحاق الفنان أمام شخصية الإنسان.
تبرز شخصية عواطف يونس/ المرأة جلية أمام القارئ منذ اللحظة الأولى التي بدا فيها اللقاء مع النص.
بروز عواطف المرأة
تظهر شخصية عواطف/المرأة في كل لمحة من لمحات النص، وهي لا تنكر ذلك، فهي تستخدم ضمير المؤنث في كل قصائدها، ثم تأبي إلا أن تفصح عن نفسها بشكل مباشر فتستخدم أسماء شخصيات حقيقة منها استخدام اسمها صراحة فتقول:
هل سيعود قطار الجنوب
وبرئتيه
مدلول أبهى
لعواطف يونس ص:42.
وتكرر هذا في أكثر من موضع منها قصيدة اعتذار التي ترسلها إلى عواطف يونس ص:55، وقصيدة ذكرياتنا ص:46 - 47، هذه المباشرة في النص الشعري تلغي الحد الفاصل بين عواطف الشاعرة وعواطف المرأة، وهي لاشك من النقاط التي لا تضيف إلى الشاعر بل تأخذ من رصيده الشعري، فلاشك أن بروز شخصية الشاعر أمر مهم لتميزه لكن أن تسيطر عليه وتقيد ملكته الشعرية، هنا يتغير الخطاب في الشعر من تجربة شعرية إلى خواطر أو يوميات، فقد أصبحت الديوان يمثل تجربة شخصية لا تجربة شاعرية.
الإهداء
يمثل الإهداء لمحة فنية من الشاعرة في اختيارها كلمات لشاعر يوناني قديم (ريتوس)
وراء أشياء بسيطة أتخفى
لكي تجدوني
وإن لم تجدوني هناك، فسوف تجدون الأشياء
وتتلمسون تلك التي لمستها يداي
وعبرها تتحد بصمات أيدينا
هذه هي كلمات الإهداء، وهي كلمات بسيطة معبرة، والغريب أنها لم تتطابق مع الواقع الشعري للديوان، فقد كان نصها واضحا لا يحتمل تأويلات أو قراءات متعددة، فجاء خاليا من الغموض وإثارة الخيالات، ولم تتخف الشاعرة، وبذا لا يكون العنوان معبرًا عن الديوان بصورة حقيقية فالوردة باحت بل ناحت، ونستطيع أن نطلق على هذا الديوان (ديوان التجربة الواحدة) فقد ظلت الشاعرة حبيسة تجربة شاعرة واحدة لم تغيرها، ويستطيع القارئ أن يتلمس شخصية المرأة الشاعرة الحقيقية لا الشاعرة المبدعة.
لمحات الذات الشاعرة
لم يخل الديوان من وثبات شعرية تمكنت فيها عواطف الشاعرة من فك قيودها وخرجت من أسر عواطف المراة ومن هذه الوثبات:
سريرنا يرفضني وحدي
حجرة أبي
والمطبخ
الطريق إلى بيتنا
وعيون النسوة
تسألني الأركان
وسعاد تسأل
من سيذاكر لي؟
ولمن أصنع شايا بالليمون؟
واللمحة الثانية التي تمثل قفزة قوية خرجت أو فرت من الوتيرة الثابتة في الديوان تلك اللحظة التي ثارت فيها الذات الشاعرة على المرأة فقالت:
أيها المسمار الصدئ ..
آن لي
أن أكون مطرقة
وأدق على رأسك ..
حتى تغ
و
ر
كما كنتُ في يوما ما
الكماشة
التي أخرجتك من العفن س:63.
فهي قفزة قوية تكسر سكون هذا الديوان،وكأني أسمع صوت دقات المطرقة بم بم من خلال النقطتين اللتين ختمت بهما السطر الشعري (وأدق على رأسك .. ) ثم أشاهد المسمار يغوووووووووور من خلال الالتفات البصري الذي صنعته في الكلمة فكانت موحية لفظا وصورة،بينما لم أجد هذه الصورة في الالتفات البصري الآخر
ويدوس
بع
م
ق
ص:28.
وأرى أنه لو كان بهذه الصورة
ي
د
و
و
و
س
بعمق في وجهي
لكان أكثر إيحاءً.
ـ[الباز]ــــــــ[26 - 01 - 2010, 10:27 م]ـ
أخي الكريم
شكرا جزيلا لك
مع أني لست ضليعا بالنقد إلا أن مقالك أعجبني في عمومه
ولم يفسد عليّ المتعة إلا ميلكم للإشادة بالكونكريتية في بعض مقاطع القصيدة أو الديوان
والتي أرى حسب فهمي المتواضع أن زمنها قد وَلَّى واندثرت حتى عند أصحابها الأصليين (أدباء الغرب) ..
فالشعر في الأصل رسم بالكلمات نفسها أي بالألفاظ ومن أراد التعبير بتجسيم
الحروف أوتنضيدها هندسيا على الورقة لتشكيل (ما يظنه صورة شعرية) فعليه
أن يترك القلم والشعر جانبا ويحمل ريشة الرسام و عُدَّة الألوان، ويجعل مجال فنه اللوحات وليس الأوراق ..
أعلم أن هذا الاتجاه الغريب نشأ نتيجة ميل الشعراء المعاصرين في فترة من الفترات
إلى تحديث القصيدة العربية وتحويلها من قصيدة صوتية إنشادية إلى قصيدة كتابية تأملية
مثلما هو الحال لدى الغرب (أي أنه مجرد تقليد للمذاهب الغربية المعاصرة) ..
لكن أدباء الغرب تخلوا عن كل الاتجاهات السابقة -التي أدت إلى موت الكاتب
وبالتالي احتضار الأدب والشعر خصوصا بسبب نفور الناس عنه- وعادوا -أي أدباء الغرب- في
مذهبهم الجديد المسمى بما بعد الحداثة إلى الصوت و الإنشاد و الوزن ..
شكرا جزيلا لك
تحيتي و تقديري