تحليل نَص بِشْر بن عَوَانة من خلال القراءة النحوية
ـ[ياسر الدوسري]ــــــــ[21 - 07 - 2009, 11:10 ص]ـ
تحليل نَصّ بِشْر بن عَوَانة من خلال القراءة النحوية
الاربعاء 10 جمادى الآخرة 1430 الموافق 03 يونيو 2009
ياسر بن صالح الدوسري
yaser4446*************
نشر في /
http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-53-113859.htm
إيجاز الرؤية:
في هذا الدراسة الموجزة سأتناوَلُ نَصَّ بشر بن عوانة، وتحليله فنيًّا من خلال إعراب ابن الشجري، ومحاولة توجيه الدلالات التي يستدعيها معنى النظم والإعراب، ومن خلال التركيب النحوي سأقوم باستخراج القِيَمِ الفنية والبلاغية.
يقول بشر بن عوانه:
أفَاطِمُ لَو شَهِدتِ بِبَطنِ خَبتِ وَقَد لاقَى الهِزَبرَ أخَاكِ بِشرَا
ذكر ابن الشجري في كتابه الأمالي في إعراب (أخاك) وجهين:
الوجه الأول: أن تعربه مفعولًا لـ (شهدت)، وتكون معناها: شاهدت، وتنصب الهزبر مفعولًا به بـ (لاقى) فيكون المعنى: (أفاطم لو رأيت أخاك بشرا وقد لاقى الهزبر) وفي هذا التركيب النحوي تتجلى الجماليات والمعاني التالية:
الكناية / ففي قوله " وقد لاقى الهزبر" كنايةٌ عن صفة الشجاعة، فهو الذي لاقى الأسد بإرادته، فهو لا يهابه، وهو مَنْ تَقَدَّمَ نحو هذا الخصم العنيد ذي البأس الشديد، ففي هذا التركيب ظهر أن بشرًا هو الذي أقبل على الأسد، ولو كان الهزبر فاعلًا لغابت جماليات الكناية.
تقديم الهزبر / وفي تقديم الهزبر (المفعول به) معنًى لتهويل الخصم وعِنَادِهِ واهتمامِهِ به، إذ إن تقديم الْمُسْنَدِ يدل على قوته وجبروته، وقد تغَلَّبَ بشر عليه.
في هذا التركيب يتوجَّبُ أن تضمر الفاعل بضمير مستتر، تقديره (هو) الذي يعود على متأخر (أخاك) وقد جَوَّزَ بعضهم أن يعود على متأخر بالشعر فقط و (ذلك الضعف يكون في النثر دون الشعر؛ لأن ضرورة الشعر قد تُجِيز ما ليس بجائز , فقد تُقَوِّي ما هو ضعيف) (1)
(ومِن صُوَرِ ضعف التأليف عند البلاغيين عَوْدُ الضمير على مُتَأَخِّرٍ لفظًا ورتبة) (2).
وفي هذا التركيب نجد أنّ "بشر" ذُكِر مرتين، مرةً في الضمير المستتر بعد "لاقى"، وتقديره هو، ومرة باسمه الظاهر في لفظة "أخاك"، وهذا التكرار المعنوي يدل على أهميته بذاته، واعتزازه بشجاعته، والتأكيد على حضوره وبطشه، ومثله قوله تعالى: ((إنك أنت الأعلى)) فزيادة أنت تدل على تطمين قلب موسى.
والإشكال في هذا الإعراب؛ الطُّولُ بين الفعل "شاهدت"، والمفعول به "أخاك"، وعَوْد الضمير المستتر هو بعد "لاقى" على مُتَأَخِّر "أخاك"، وهذا يسبب ضَعْفًا في التأليف.
والوجه الثاني في إعراب هذا البيت:
أفَاطِمُ لَوشَهِدْتِ بِبَطنِ خَبتٍ وَقَد لاقَى الهِزَبرُ أخَاكِ بِشرَا
أن تُعْرِبَهُ مفعولًا به لـ "لاقى"، والهزبر فاعل، وتكون هنا "شهدت" بمعنى (حَضَرْتِ) وفي هذا التركيب النحوي تتجلَّى المعاني التالية:
فعندما يكون الهزبر فاعلًا، فهذا يدل على ازدراء بشر لهذا الأسد، وإلغائه سطوته، فهو لا يأبه به، ولا يخشى لقاءه، وعندما عَبَّرَ بقدومه إليه عامَلَهُ كالنِّدِّ للنِّدِّ، ويدل على ذلك الفعل "لاقى"، ومد الصوت باللام في لاقى يدل على صعوبة المعركة على الهزبر، فكأن الأسد يستعجل لقاءه لخوفه من بسالَتِه.
ومن خلال النظر لهاتين القراءتين النحويتين نجد أن التركيب الأول فيه تكثيفٌ للجماليات، فنجد الكناية، وحذف المسند، والتكرار، والتي بلا شك تُكَثِّفُ الدلالات .. هذا من بُعْدٍ جمالي.
ومن بُعْدٍ نحوي نلاحظ الطُّول بين الفعل (شاهدت)، والمفعول به (أخاك)، والفاعل لهما ضميرٌ مستتر يعود الضمير فيه على مُتَأَخِّر، كما بَيَّن في أول الكلام، وكل هذه الملاحظات تُوَثِّر على التركيب النحوي، والذي يُسَمَّى عند البلاغين ضَعْفًا في التأليف، وفي الإعراب الثاني لا يدعمه التكثيف للصور، ولكنه متناسِقٌ نحويًّا، وتركيب طبيعي، وهو يناسب النحوي، بعكس الإعراب الأول الذي يناسب البلاغي؛ لأن البلاغي يهتم بالجماليات على حساب القاعدة، والنحوي يهمه التركيب النحوي السليم.
ثم ذكر المؤلف في البيت الثاني:
تَبَهنَسَ ثُمَّ أَحجَمَ عَنه مُهرِي مُحَاذَرَةً فَقُلتُ: عُقِرتَ مُهرَا
¥