تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[موضوع (حلمنتيشي) نشره "هكذا" في صحيفة عكاظ]

ـ[هكذا]ــــــــ[01 - 01 - 2010, 07:31 ص]ـ

المرافدة ونسبة وقوعها في المسابقات الشعرية:

الإرث العربي نقديًا أو أدبيًا يكاد يكون خلوا من إضافة كلمة (المسابقة) إلى الشعر مع تواجد ذلك _كفكرة_ بمثابة الموقف العابر بين شاعرين أو ثلاثة في حضرة أمير أو والي، يجعل مكافأة الفائز من حر ماله؛ كما فعل عبد الملك بن مروان، حيث يروي الجاحظ في (كتاب القيان) من رسائله قائلا:

ومن ذلك حديثه _أي عبد الملك بن مروان _حين نعس، فقال للفرزدق وجرير والأخطل: من وصف نُعاسًا بشعرٍ وبمثلٍ يُصيب فيه ويُحسن التمثيل، فهذه (الوصيفة) له. فقال الفرزدق:

رماه الكرى في الرأس حتَّى كأنَّه ........ أميم جلاميدٍ تركن به وقرا

فقال: شدختني ويلك يا فرزدق! فقال جرير:

رماه الكرى في الرأس حتَّى كأنَّه ..... يرى في سواد الليل قنبرة سقرا

فقال: ويلك تركتني مجنوناً! ثم قال: يا أخطل فقل. قال:

رماه الكرى في الرأس حتَّى كأنَّه ...... نديم تروَّى بين ندمانه خمرا

قال: أحسنت، خُذْ إليك الجارية. (1).

واستنادا على رواية الجاحظ يتضح طفولية الفكرة وقدمها مع العلم أن مثل هذا الموقف لا يؤخذ لدى النقاد ضربة لازب ,و لا للشعراء مدعاة للغرور أو منة يمتنها المحكم أن دجّن من دجن ثم قال لهم: (ليعلم الجمع ممن ضم مسرحنا أنهم صنيعة اللجنة)، وغير ذلك مما تغص به مسابقات (صوّتوا لشاعركم) , والتي هي حقيقة تمثل شكلا من أشكال (ما بعد الحداثة) , وهو (تسليع) الأدب. (2)

والغريب العجيب أن عصا السبق في إنتاج هذا الشكل من أشكال (ما بعد الحداثة) كان من نصيب "شعراء المحاورة ", ولا أظن من الخطأ أن يقال بأنهم تجاوزوا الحداثة دون المرور بها في إنتاج شكل من أشكال (ما بعد الحداثة) , والذي صاحب إنتاجه جدل لدى بعض النخب الشعبية , ولكنهم _أي المنتجين _ استطاعوا وعبر عزفهم العشائري الصاخب تمرير ذلك المنتج _ما بعد الحداثي _،بل وجعلوه حقًا مشروعًا تتراقص معه صفوفهم؛ وتستفيد منه هي كذلك.

وفي العامين الأخيرين وعلى نفس العزف العشائري الأهوج، استطاعت ما تسمى (بالمسابقات الشعرية) أن تسحب بساط ذلك الشكل (ما بعد الحداثي) من تحت أقدام منتجيه، مستفيدة من طريقتهم الأس في عملية التمرير, ولكنها أعادت إنتاجه بطريقة (أنقذوا أمجادكم من براثن النقد وصوّتوا لشاعركم) , وبأساليب أكثر تطورًا وتشويقًا, و _طبعًا -كل ذلك -كان عبر القبيلة؛ لتعيش المجتمعات مع هذا المنتج في خضم متلاطم من الغرائبية العجائبية: ابتهال ووعظ ورغبة في ما عند الله، يعقبها عزف وغناء ورقص مختلط , وهموم أمة ودعوى جاهلية , وشكوى من غلا المعيشة و (صوّتوا لشاعركم)

في ظل ذلك كله وعلى خشبة الوهم تلك وتحت غطاء (ونعم بك وبلابتك , وأنت خير من يمثل مضارب بني فلان) لتصبح مناصرة (المنتخي) بالقبيلة والمكرِّس لها في مصلحة ذلك البرنامج صورة من صور الحمية والنخوة العربية, ويعلم الله براءة النخوة من ذلك.

ولكن ... !!! هل وقفت حدود (الحمية الجاهلية) عند التباهي باقتطاع (المنتخين) من قوت أبنائهم , أم أنها تجاوزت ذلك إلى (البيع المؤجل تحت مظلة القبيلة وصنع نجوم كاذبة) أو ما يسمى في (النقد العربي) بالمرافدة؟

وعطفًا على ما تقدم من تكريس لتلك المفاهيم، فإن نسبة وقوع المرافدة عالية جدًا _خصوصًا _ وأن القائمين على أحد البرامج وضعوا آلية في نسخهم الأخيرة، تتطلب من الشاعر بدع الشعر؛ مجاراة لنص يعلن عنه في نفس الحلقة وفي عشر دقائق , وكأنهم بذلك قد اقتنعوا بوجود عينات سابقة زاولت المرافدة في قصائد كاملة، وليس في بيت أو بيتين في نسختهم الأولى خصوصا, وهذا الإجراء قطعا ليس كافيا في كشف المرافدة الشعرية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير