تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وآخرها يقول فيه الحريري - في المقامة الخامسة و الثلاثين -: ((إذ احتفا بنا ذو طمرين [27]، وقد كاد يناهز العمرين) فعقب عليه ابن الخشاب بقوله: ((بئس الاستعمال، استعمال كاد مع يناهز، لأن المنهازة معناها المقاربة؛ ناهز فلان الخمسين إذا قاربهما، وكاد معناها المقاربة أيضا، فهما وإن اختلفا في الاستعمال يتفقان في معنى المقاربة، فكأنه إذا حقق معنى قوله آل إلى أن يقدر هذا الكلام [28]، قارب مقاربة العمرين، وهذا لا يخفى اختلاله على المتأمل)) [29]. كما أن إضافة كاد إلى ناهز واستعمالهما مقترنتين ببعضهما، هو حشو، وتكرار لا فائدة منه [30].

وفي مقامات الحريري أكثر من سبعة مواضع، انتقدها ابن الخشاب وبين بعدها عن الصواب، لكن ابن بري - مع اعترافه بها - بررها وجوزها، ووجد لها مخارج وأخذ بها، حتى وإن كانت ضعيفة [31]؛ أذكر من بينها مثالين، الأول أخذ فيه ابن الخشاب على الحريري أنه ذكر في مقاماته - فبل تهذيبها وتنقيحها - النبي - عليه الصلاة و السلام - ثم قال مخاطبا له: ((فقلت وأنت أصدق القائلين (إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين) - سورة التكوير/19 - ، وعندما تبين له - بعدما انتشرت مقاماته - أن الآية وصف لجبريل، لا لمحمد - عليهما السلام - كر على النسخة مغيرا اعتقادا منه أنه أخطأ في الأول، بعدما غربت وشرقت، واشأمّت وعرّقت مقاماته. فكتب في النسخة الثانية: فقلت وأنت أصدق القائلين: (و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [32]- سورة الأنبياء/ 117 - . ويرى ابن الخشاب أن الحريري أخطأ في التصرفين، فهو في الأول قد جهل قول أكثر المفسرين [33] بأن الآية تخص جبريل، لا الرسول- صلى الله عليه و سلم -. وفي الثاني غيّر ما كتبه عندما اطلع على رأي غالب المفسرين، فظن أن الأول خطأ لا يجوز الأخذ به، ولم يعرف أنه و جد من المفسرين من جعل الآية صفة للرسول، كما ذهب إليه أولا. فجهل ما عليه الأكثرون في الأول، ولم يعرف الجواز في الثاني [34].

وأما ابن بري فقد دافع عن الحريري بقوله: ((ليس لراجع عن الوجه الضعيف إلى الوجه القوي بغالط، لأنه غير مقطوع على ابن الحريري لم يمر به جواز الوجه الأول من كتب التفاسير، وإنما تركه لأن أكثر أهل التفسير على خلافه، فعدل إلى ما ليس فيه خلاف عند أحد من الناس، ويقوي ذلك أنه إذا أنكر عليه الوجه الأول، فلا بد له أن ينظر في كتب التفاسير، هل الأمر على ما ذكروا أو على خلافه؟، ولما وقف عليه رأى الأكثر على خلاف ما ذهب إليه، فعدل عنه إلى ما خلاف فيه)) [35]. وتبريره هذا ضعيف جدا لا يرفع النقد الموجه للحريري، لأنه ذكر الآية الأولى مخاطبا بها الرسول - عليه الصلاة و السلام - ظنا منه أنه هو المقصود، فلو كان على علم بأن غالبية المفسرين على خلافه، وأنه اختار الرأي الضعيف عن اقتناع وقصد، لما بدله في أغلب الظن، ومما يقوي ذلك أنه عندما غير موقفه بدّل الآية، وجاء بأخرى صريحة في مخاطبة الرسول، ولم يدافع عن رأيه الأول.

وأما المثال الثاني - من المقامة الثانية - فأخذ فيه ابن الخشاب على الحريري استعماله كلمة: قواليب، في قوله: ((يتقلب في قواليب الانتساب ويخبط في أساليب الاكتساب)) وهو خطأ وكان عليه أن يقول: قوالب، كما في تابل: توابل لأن المفرد قالب، وليس قلوبا، ولا قلاب، ولا تستعمل قواليب إلاّ عند الضرورة الشعرية وبقلة. أما عند الاختيار والسعة فلا يجوز ذلك [36]. وأما ابن بري فقد أقرّ بما قاله ابن الخشاب ضمنيا، وبرر استعمال الحريري لكلمة قواليب، بضرورة السجع، فكما للشعر ضرورة فللسجع هو الآخر ضرورته لأن له وزنا يضاهي ضرورة الوزن في الشعر زيادة ونقصا وابدالا [37]. وأشير هنا إلى أن نسخة مقامات الحريري التي بين يدي معدّلة، فيها قوالب لا قواليب [38]، وهو تعديل إما أجراه ابن الحرير على بعض النسخ ولم يطلع عليه ابن بري. وإما قام به النساخ من بعده، وهو اعتراف بصواب نقد ابن الخشاب وضعف تبرير ابن بري.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير