تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال المؤلف عن "مهرا" إنه تمييز منصوب، فيكون المعنى أنها قطعت قوائمه التي أَخَّرَتْه وأخرت الأسد عن مقابلته، والتمييز عامله الفعل "عقرت" الْمَبْنِيّ للمجهول، وهنا لم يصرح باسم الأسد، فلم

يَبْنِهِ للمعلوم امتدادًا لسخريته منه، وأنه لا يستحق الذكر، ولم يذكر المؤلف آراء أخرى.

وقال عن البيت الآخر:

وأَنتَ تَروُمُ لِلأَشبَالِ قُوتَاً وَمُطَّلَبِي لِبِنتِ العَمِّ مَهرَا

نصب مهرا في ذيل البيت بـ "مُطَّلَبِي"، ومطلبي محتمل الرفع والنصب، ففي الرفع على أنه مبتدأ محذوفٌ خبره، دلّ عليه دليل، وهو الفعل "تروم" في صدر البيت، إذ يصبح المعنى (وأنت تروم قوتاً للأشبال، ومُطَّلَبِي أرومُ لبنت العم مهرا) ولاشك أن في هذا التركيب تعسُّفًًا وإثقالًا لمعنى البيت، وتحميله ما لا يحتمل، وإخراجًا للخبر عن معناه الحقيقي، وشرطه الأساسي، وهو الفائدة، عن المبتدأ، ونحن هنا في هذا المعنى لم نستشف زيادة عن المبتدأ (1).

وعلى النصب بتقدير فعل من لفظ "تروم"، إذا يكون المعنى (وأنت تروم قوتًا للأشبال وأنا أروم مُطَّلَبِي لبنت العم مَهْرا) وهذا هو الأقرب لي؛ لأننا نَسْلَمُ فيه من الثقل وحياد الخبر عن معناه المفيد.

وفي كلا المثالين حَذْفٌ للمسند الخبر في المثال الأول، والفعل في المثال الثاني الذي قُدِّر بـ (أروم) وحذفه في كلا التركيبين لضيق المقام، فهو في موقف صارم .. في عراك مع الأسد، والمقام لا يحتمل الإطناب (ولا نستطيع أن نحدد أسرار الحذف في المسند؛ لأن هذه الخصائص مظاهر لاختلاف المقامات والأحوال) (2).

وقيل أن يكون مطلبي مبتدأ، ولبنت العم الخبر يتعلق بمحذوف، وينصب مَهْرًا بما دلّ عليه مطلبي (3) وهو فعل مُقَدَّر بـ (أطلب) وفي هذا الإعراب تكثر التقديرات فيصعب المعنى.

وفي الرواية الثانية للبيت التي جاءت على هذا النسق:

(وأَنتَ تَروُمُ لِلأَشبَالِ قُوتًا وأَطلُب لابنَةِ الأَعمَامِ مَهرَا) (1)

فتكون مهرًا مفعولًا به منصوبًا بـ (أطلب) فنسلم من الإشكال في الرواية الأولى، وكثرة التقديرات.

ثم ذكر ابن الشجري في البيت التالي:

نَصَحتُكَ فَالتَمِس يَا لَيثُ غَيري طَعَامًا؛ إِنَّ لَحمِيَ كَانَ مُرَّا

وعند سيبويه أنّ (كان) بمعنى لا يزال، والرأي الثاني: أنها تدل على وقوع الفعل فيما مضى من الزمان، بشرط أن لا يكون فعلاً يتطاول ويستمر، فإن دل على التطاول مثل كان في هذا البيت، كان بمعنى الاستمرار؛ لأنه لا يمكن أن يتغير لحمه بعد أن كان مُرًّا. والرأي الأول: هو الأقرب للمعنى ولنفسي؛ لأنه قال التَمِس طعامًا غيري؛ فالسياق يدل على ذلك، ولا داعي لكثرة التقسيمات بحسب الأفعال ودلالتها؛ لأن هذا يُشَتِّت المعنى ويُتْعب الأذهان.

ولم يكتف ابن الشجري في هذه القسمة، بل بدأ يُفَصّل أن زمان كان بحسب دلالة الأفعال عليه يكون محدودًا، كقول "كان زيد جالسًا"، فهنا بالإمكان تغير الحالة من القيام للقعود، وغير المحدودة كقوله تعالى (وكان الله عزيزًا حكيمًا) فهو سبحانه عزيز حكيم في كل الأحوال والأزمنة، كما أشرت أن هذه التفصيلات في التركيب إن كانت لا تخدم جماليات النص، فهي تُشَتِّت وتبعد عن المأمول والذوق.

ثم ذكر ابن الشجري في قوله:

وَجُدْتُ لَهُ بِجَائِشَةٍ أَرَته بِأَنْ كَذِبَتهُ مَا مَنَّتهُ غَدرَا

حذف للموصوف، وهو الضربة، أي بضربةٍ طائشة، وهذا من الإيجاز غير المخل؛ لأن الموصوف دل عليه دليلٌ يُفْهَم من سياق البيت والمعنى.

أخيراً: تعدُّ هذه محاولة لاستنتاج المعاني البلاغية من خلال الدلالات النحوية، وهو عمل مُوجَزٌ قابِلٌ للزيادة والتمحيص.

الحواشي السفلية

1 - مقاييس البلاغة بين الأدباء والعلماء د. حامد الربيعي الطبعة الأولى 1416هـ ص 517

2 - المرجع السابق ص 516

3 - انظر الأمالي الشجرية من طبعة دار المعرفة 2/ 139 في الحاشية.

4 - خصائص التراكيب للدكتور محمد محمد أبو موسى من طبعة دار وهبه الرابعة عام 1416 هـ 1996م ص 272

5 - الأمالي الشجرية 2/ 139.

المراجع

(1) الأعلام للزركلي نسخة إليكترونية غير متوافقة مع المطبوع عن موقع الوراق https://www.alwaraq.net .

(2) مقاييس البلاغة بين الأدباء والعلماء د. حامد الربيعي الطبعة الأولى 1416هـ.

(3) الأمالي الشجرية من طبعة دار المعرفة بيروت لبنان المجلد الثاني.

(4) خصائص التراكيب للدكتور محمد محمد أبو موسى من طبعة دار وهبه الرابعة عام 1416 هـ 1996م.

(5) متعة تذوق الشعر دراسات في النص الشعري وقضاياه د. أحمد درويش دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة.

(6) ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري المسمى بالتبيان في شرح الديوان من طباعة دار المعرفة بلبنان.

(7) موسيقى الشعر للدكتور إبراهيم أنيس مكتبة الأنجلو المصرية.

(8) المشاكلة والاختلاف للدكتور عبد الله الغذامي نسخة الكترونية داخل مدونته وموقعه الرسمي

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير