ومنذ الستينيات، أخذ النقد التاريخي يزدهر في كثير من الجامعات العربية على أيدي أشهر الأكاديميين العرب الذين تحولت أطروحاتهم الجامعية إلى معالم نقدية يقتفي آثارها المنهجية (التاريخية) طلبتهم، ويتوارثونها طالبا عن أستاذ، حتى ترسخ المنهج التاريخي ورسم ترسيما أكاديميا (يوشك أن يبدو مطلقا!)، وأصبح من المجازفة الأكاديمية أن يفكر الباحث الجامعي في بديل لهذا المنهج.
ومن رموز هذا المنهج: شوقي ضيف وسهير القلماوي وعمر الدسوقي في مصر، وشكري فيصل في سوريا، ومحمد الصالح الجابري في تونس، وعباس الجراري في المغرب، أما في الجزائر فيمكن أن نذكر: بلقاسم سعد الله وصالح خرفي وعبد الله ركيبي ومحمد ناصر وعبد الملك مرتاض (في مرحلة أولى من تجربته النقدية)
وعموما فإن النقد التاريخي قد اتّسم بالخصائص الآتية:
- الازدهار في أحضان البحوث الأكاديمية المتخصصة التي بالغت في ارتضائه منهجا واحدا لا يرتضى بدلا.
- الربط الآلي بين النص الأدبي ومحيطه السياقي، واعتبار الأول وثيقة للثاني.
- الاهتمام بدراسة المدونات الأدبية العريضة الممتدة تاريخيا، مع التركيز على أكثر النصوص تمثيلا للمرحلة التاريخية المدروسة (و إن كانت ثانوية وضعيفة فنيا، لأن في مرآويتها واستجابتها للمؤثرات التاريخية مندوحة عن أي شيء آخر!)، مع إهمال التفاوت الكبير بين أدباء يتحدون في الزمان والمكان؛ كأن هذا المنهج عاجز – بطبعه – عن تفسير الفوارق العبقرية بين المبدعين المنتمين إلى فضاء زمكاني موحد.- المبالغة في التعميم، والاستقراء الناقص
- الاهتمام بالمبدع والبيئة الإبداعية على حساب النص الإبداعي، وتحويل كثير من النصوص إلى وثائق يستعان بها عند الحاجة إلى تأكيد بعض الأفكار والحقائق التاريخية.
- التركيز على المضمون وسياقاته الخارجية، مع تغييب واضح للخصوصية الأدبية للنص.
- التعامل مع النصوص المدروسة على أنها مخطوطات بحاجة إلى توثيق، أو تحف مجهولة في متحف أثري، مع محاولة لم شتاتها وتأكيدها بالوثائق والصور والفهارس والملاحق.
وهكذا تبدو الأهمية الأساسية لهذا المنهج في أنه يقدم جهودا مضنية في سبيل تقديم المادة الأدبية الخام، أما دراسة هذه المادة في ذاتها فإنها أوسع من أن يستوعبها مثل هذا القالب المنهجي الضيق.! (5)
فقد حظي المنهج التاريخي مثله مثل كل المناهج بمجموعة من المؤيدين وأخرى من الرافضين وثالثة من المتوسطين في قبوله ورفضه.
المؤيدين: يرون فيه منهجاً محاكياً لقوانين العلم وآلياته وبخاصة في مجال الدراسة العلمية الأكاديمية التي تخضع للدراسة والفحص والملاحظة.
أما الرافضون: فينطلقون من الاعتراف بأن الخطاب الأدبي ماهو إلا بنية لغوية وعلاقات تشكيلية وجمالية ورؤية مجازية لايجوز مقاربتها من خارج سياقها أو تقويمها بعيداً عن أثرها الجمالي والفني.
أما المتوسطون: فيعترفون بما للمنهج التاريخي من دور مهم في فهم الظواهر الأدبية وتفسيرها, ولكنهم يرون محدودية المنهج باقتصاره على تشكيل خصائص اتجاه أدبي في جيل أو امة, كما يفيد في فهم بواعث نشوء ظاهرة أدبية أو تيار فكري معين مرتبط بالمجتمع.
ابرز عيوب المنهج التاريخي:
1 - الافتقار إلى الخصوصية وعدم القدرة على تفسير العبقرية الأدبية.
2 - معاملة النص بوصفه وثيقة من الدرجة الثانية مهمتها دعم مصداقية الوثيقة الأولى (البيئة).
3 - الإبداع الفني ومافيه من جماليات تتجاوز كل طروحات المنهج التاريخي. (6)
الهوامش
1 - المدخل إلى مناهج النقد المعاصر, بسام قطوس, الطبعة الأولى, دار الوفاء للطباعة والنشر, الاسكندرية,2006م, ص42
2 - المذاهب النقدية, ماهر فهمي,,الطبعة الأولى, مكتبة نهضة مصر, القاهرة, ص181.
3 - المدخل إلى مناهج النقد المعاصر, بسام قطوس, الطبعة الأولى, دار الوفاء للطباعة والنشر, الاسكندرية,2006م, ص44
4 - البحث الأدبي-طبيعته-مناهجه-أصوله-مصادره, شوقي ضيف, الطبعة السادسة, دار المعارف, القاهرة,1977م, ص53
5 - المنهج التاريخي في النقد (مقالة) وعد العسكري, الحوار المتمدن - العدد: 2017 – 24/ 8/2007م
6 - المدخل إلى مناهج النقد المعاصر, بسام قطوس, الطبعة الأولى, دار الوفاء للطباعة والنشر, الاسكندرية,2006م, ص46
ـ[نون النسوة]ــــــــ[23 - 10 - 2009, 09:06 ص]ـ
إضاءة جيدة وموجزة لما يسمى بالمنهج التاريخي وأحيانا المنهج العلمي في دراسة الأدب
شكرا لك
ـ[همسات المحبة]ــــــــ[05 - 12 - 2009, 10:00 م]ـ
شكرا لك وجزاك الله الف خير
ـ[احمد فنه]ــــــــ[08 - 01 - 2010, 08:15 م]ـ
زادك الله علما وفقهك فيه
ـ[مريم نقد]ــــــــ[03 - 07 - 2010, 09:02 م]ـ
جزاك الله خيرا لكن حبذا لو تضمن الموضوع قضية احتواء المنهج التاريخي للمنهج النفسي والاجتماعي باعتبارهما يمثلان عنصرين تاريخيين.
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[16 - 08 - 2010, 05:11 ص]ـ
جهد طيب
جزاكِ الله خيرا
¥