إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ
وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي
أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ
يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ
أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ
لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا
لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ
إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا
أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ
وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ
شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ
بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ
تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ
قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ
نقد القصيدة واعذريني فكتبته على الكيبورد على عجل:
مقدمة: إن من الشعر لحكمة وأجمل الأبييات هي تلك التي إن سمعتها أو قرأتها لأول وهلة قلت لصاحبها صدقت , وقد جمع أبو الطيب ذلك كلّه في هذه الباذخة التي مازال قارئها وسامعها يسيخ السمع تجاهها وتلتف مشاعره حولها كالتفاف عروق الأشجار حول الماء.لقد وصل أبو الطيب إلى قلوبنا بعد أن سحر آذاننا من أول بيت إلى آخر القصيدة في حوار وشعور متصاعد يزجي بعضه بعضا فيدفع بنا نحو القمم السامقة والمشاهد الجميلة
والاستمتاع حادينا ولا غير الدهشة بسمو الفكرة وعذوبة العبارة وتسلسل وترابط المعاني في مشهد أمة تتجلى جار عليها الزمن في ذات شاعرها الفذ الأبي وحيد عصره وفريد زمانه والأزمن التي تلته.
اللغة: لغة القصيدة بلا ريب ولا شك لغة فريدة استحقت أن تكون لغة أبي الطيب الخاصة السهلة الممتنعة التي تحملنا إلى خيال خصب وثري فأي قاريء يستطيع فك رموزها فيحملها غير بعيد عن معنى القصيدة في ذات الشاعر وهنا تكمن اللذة فتكون اللغة محكمة البناء لنقل شعور الشاعر الداخلي إلى دواخلنا بكل يسر وسهولة فهي أشبه بالسيل للأراضي المتعطشة إليه.
الصورة الشعرية: أحكم الشاعر بناءها فجسدها من خلال الألفاظ لتباشر حواسنا عن قرب وحميمية قل أن يرى لها نظير فالتصقنا بها لتنشر في أجسادنا الدفء وأحيانا القشعريرة ببردها فثؤثر فينا ونتأثر بها في انسجام تام بين اللفظ والمعنى والصورة المبتكرة. فانتقلت من كونها جامدة ليبث فيها الحياة فتتسرب إلى دواخلنا فتنطلق بالخيال فينا إلى آفاق رحبة.
موسيقا النص: موسيقا حزينة مكثفة بدت لنا من البيت الأول في تأوه شاعرها فتجذبنا إليها بقوة تأثيرها العنيف فيحسن الشاعر إيقاعها فينا ووقوعها في النص لتأتلف بمشاعرنا وأحاسيسنا في ثوب عزة وإباء حزن وإباء وعزة فعبرت عن المكان والزمان والمجتمع أصدق تعبير.
تحليل النص:
وسأعتمد التحليل النفسي موجزا القول وسأترك البقية إليك أختي لتكملي البقية وأعتذر مقدما للنقص والقصور:
المشهد الأول: من 1 - 4
يتجلى حزن أبي الطيب فيها وألمه مما ناله من حساده فكأنما قد قرأ المشهد الحاضر أمامه وأصدر أوامره لمحكمة لتنطق بالحكم النهائي فيما بعد لتفصل بين خصمين أبو الطيب أمام حساده الذين لا يفترون عن تسميم العلاقة بينه وبين أعز أحبابه سيف الدولة الحمداني.
ومن العجيب أن يبدأ الشاعر قصيدة مدحه سيف الدولى بهذا الكم من الحزن والألم.
المشهد الثاني: من 5 - 11
يلتفت الشاعر إلى مدح ممدوحه بعين وعينه الأخرى لا تفارق أبد حال حاسديه في المجلس الذي جمعه بهم لبقينا على اتصال بالمحكمة العليا التي أنشأها أبو الطيب لتجمع الأدلة والقرائن للمساعدة في إصدار الأحكام
المشهد الثالث: من 12 - 15
يتكثف الحزن مرة أخرى ولسان حال شاعرنا يقول حتى على الموت لم أخل من الحسد .. ولكنه مازال متماسكا صلبا شديدا في معركته مع حساده عزيزا أبيا يدلي بشهادته أمام المحكمة. ليبدأ الدفاع عما قليل.
المشهد الرابع: من 16 - 24
يبدأ الشاعر الدفاع ليصول ويجول في شجاعة نادرة يستحضر للزمن الرديء
خيل العرب جميعها زمن عزتها ويستمد العون من فرسانها الذين قضوا نحبهم دفاعا عن العرب وشيم العرب النبلاء.
المشهد الخامس: من 25 - 35
تعلن المحكمة حكمها النهاثي برحيل الفارس المغوار لإن المعركة خاسرة فالعدو أصغر مما كان يتوقعه الفارس ليترك الساحة للصغار والندم والبؤس والشقاء يتصارعون فيها حتى الفناء.ولكن مالمسوغ إلى ذلك كله.
المشهد السادس من 35 تقريبا إلى نهاية القصيدة:
يذكر الشاعر فيها سبب هجره البلاد والعباد التي استشرى فيها الحسد والحساد إلى بلاد أرحب فيسوق جملة من الأسباب التي تحتم على الفارس الرحيل.
والسلام خير ختام
أرجو أن أكون قد أتيت ولو على القليل مما تزخر به القصيدة من معاني جميلة.
¥