تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من مناهج كشف المعاني في العربية]

ـ[ابوعلي الفارسي]ــــــــ[08 - 06 - 2009, 05:16 م]ـ

مناهج كشف المعاني

:::

كان الناس ولا يزالون إذا استغلق على أحدهم معنى كلمة يرجعون إلى المعاجم،فيجلون المعنى،ويكشفون ما غم عليهم،ولا ضير في هذا،فقد قام علماء العربية بجهد جاهد أسسوه على أساس من استجلاء كلام العرب،فكتبوا معاجم وعولوا فيها على ما يركن إليه ذو الطلبة في العلم في العربية،فهذا المنهج –أعني به الرجوع إلى المعاجم –لا زال الناس يتعاورونه،وهو منهج يدل عليه منطق العقل،فإن الجاهل لابد له من علم العالم إذا أراد أن يعلم،لكن لعلماء العربية مناهج أخرى،لم تكن لكل أحد من الناس،يتبينون بها دلالة المعاني،وقد دلهم عليها حصيف الرأي،ووقدة الذهن،والولوع بهذه اللغة الشريفة،وربما تعرضوا لها هاهنا وهاهنا فيما كتبوا –كما فعل ابن جني في خصائصه – غير أنهم فيما أحسب لم يتعرضوا لها بغرض أنها مما يكشف به المعنى، وإنما تعرضوا لها لأنها سر من أسرار العربية وآية من آياتها،وما أكثر آياتها.

وأنا –هنا- سأتعرض لذكر مانثه خاطري منها أوربما اقتبسته من نارهم لعلك- أيها العزيز- تجد فيه هدى،وتثقف به علمك بالعربية.

فأول هذه المناهج هو ما سماه ابن جني –رحمه الله – بالاشتقاق الأكبر، قال في كتابه العظيم الخصائص: وأما الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلا من الأصول الثلاثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحدا،تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه،وإن تباعد شيء من ذلك عنه رد بلطف الصنعة والتأويل إليه،كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد،وقد كنا قدمنا ذكر طرف من هذا الضرب من الاشتقاق في أول هذا الكتاب عند ذكرنا أصل الكلام والقول وما يجيء من تقليب تراكيبهما،نحو (ك ل م) (ك م ل) (م ك ل) (م ل ك) (ل ك م) (ل م ك)،وكذلك (ق و ل) (ق ل و) (و ق ل) (و ل ق) (ل ق و) (ل و ق)،وهذا أعوص مذهبا،وأحزن مضطربا،وذلك أنا عقدنا تقاليب الكلام الستة على القوة والشدة،وتقاليب القول الستة على الإسراع والخفة وقد مضى ذلك في صدر الكتاب.اه ج2ص135

فانظر كيف كشف المعنى بما سماه:الاشتقاق الأكبر، وهو نظام التقليب الذي استعمله الخليل في معجمه (العين)،غير أن هذا المنهج قد يغمض في كثير من الكلم،ولا يكاد يبين،ولكن هذه الطريقة والمنهج للعلماء لا العامة من الناس.

أما ثاني هذه المناهج فهو منهج التعاقب،وهو أن يتعاقب على موضع واحد أكثر من حرف،ثم لايزال المعنى هو هو أوهو قريب منه جدا، ولهذا المنهج شرط،وهو أن تكون الحروف المتعاقبة قريبة المخرج أو متجانسته،ومثال هذا المنهج قولهم:بدأ وبدع وبده فكلها تكاد تصفق على معنى واحد وهو الأولية والسبق على نحو عام على أن بينها فرقا يكشف في مباحث الفروق اللغوية،ومثال آخر وهو قولهم:قط وقد وقت ففي هذه الألفاظ الثلاثة معنى القطع والفصل،وإن كان ثمة فرق بينها كما قلنا في سابقتها، ونعني بالتجانس أن يكون المخرج واحدا والصفة مختلفة.

أما ثالث المناهج فهو يكاد يشبه المنهج الثاني إلا أنه ليس هو إياه،وهو منهج التعاقب الذي يشترط أن يكون الحرفان الأولان من المادة هما هما لا يتغيران ولا يشترط القرب أو التجانس في المخرج والصفة في الحرف الثالث وإن حدث هذا،فكلما تجاور هذان الحرفان دلا على هذا معنى لايتغير دون الالتفات إلى الحرف الثالث،ومثال هذا المنهج قولهم:بتروبتك وبتل،فالراء حرف جهري ومتوسط ومستفل وذلق يخرج من طرف اللسان مما يلي ظهره مع ما فوقه من أصول الثنيتين العليين،أما الكاف فهو حرف همسي شديد يخرج من أقصى اللسان مما يلي الحلق مع مافوقه من الحنك الأعلى،أما اللام فهو جهري ذلقي يخرج من أدنى إحدى حافتي اللسان إلى منتهى طرفيه مع ما يليه من أصول الثنايا العليا في مقابلة الضاحك والأنياب والرباعية. (انظر:بغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن،لمحمد الغول).

ومثال آخر وهو قولهم: فتح،وفتق،وفتر، وفتش،وفتل،و ..... ،فأنت تجد أن معنى الانكشاف والتباعد جلي فيها. والله أعلم بصواب القول.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير