قطّ: نفي لاستغراق الماضي، هل يشمل الحاضر؟
ـ[برقش]ــــــــ[26 - 07 - 2009, 08:57 ص]ـ
السلام عليكم
عندي سؤال يتعلق باستعمال "قطّ" من ناحية امتداد نفيها، فهل يشمل الحاضر مع الماضي؟
(لست أتطرّق هنا إلى موضوع استعمال "أبدًا" في نفي الماضي)
أودّ إعطاء بعض الأمثلة للتوضيح:
- شخص لم يسبق أن سافر خارج بلاده يستطيع القول: "أنا لم أسافر قط". ولكن لنفترض أنّه قرّر السفر إلى بلد آخر. فهل يستطيع أن يقول وهو في البلد الآخر: "أنا لم أسافر قطّ"؟ (حجة البعض في ذلك أنّ "قطّ" هي لنفي الماضي ولذا يصحّ هذا القول في رأيهم. فهل أوافقهم الرأي؟)
- شخص لم يرَ لوحة الموناليزا قبلاً يستطيع أن يقول: "لم أرَ لوحة الموناليزا قطّ". ولكن لنفترض أنّه سافر إلى فرنسا وقصد المتحف وها هو يقف أمام لوحة الموناليزا يتفرّج عليها. فهل يستطيع القول: "لم أرَ لوحة الموناليزا قطّ"؟ ألا تشمل "قطّ" الحاضر في نفيها؟
- شخص لم يكن يعِير فعل الخير والبر اهتماماً جديًّا في حياته، لكنّه قرّر التغيّر. فأصبح الإحسان وفعل البر يشغلان حيّزاً كبيراً من وقته. فهل يستطيع أن يقول بعدما تغيّر: "لم أخصّص قطّ هذا المقدار من الوقت في الإحسان والبر"؟
عندي رأي خاصّ في المسألة لا يوافقني فيه كثيرون، لذا أحببت أن آخذ رأي الإخوة في المنتدى عسى أن يزوّدوني بمراجع تثبت الصواب.
ـ[علي جابر الفيفي]ــــــــ[15 - 08 - 2009, 11:51 ص]ـ
جواز استعمال (قط) في الإثبات:
تحدث ابن هشام في كتابه (مغني اللبيب) عن الظرف (قط) فقال: (((قَطُّ) على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون ظرف زمان لاستغراق ما مضى، وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات، وتختص بالنفي، يقال: ما فعلته قط)) (1)، قُلتُ: وقد ورد استعمالها في الإثبات في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن سَمُرَة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل، تحدث فيه عن رؤيا رآها: ((فَقَالا لي [أي المَلَكَانِ]: اِنْطَلِقْ، اِنْطَلِقْ، فانطلقْناَ فَأَتَيْنَا على رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فيها من كُلِّ نَوْرِ الرَّبيعِ، وإذا بين ظَهرِيْ الروضةِ رجلٌ طويلٌ لا أكاد أرى رأسَهُ طُولاً في السماء، وإذا حولَ الرجلِ من أكثرِ وِلْدَانٍ رأيتُهُم قَطُّ ... )) (2)، فقد جاءت (قط) ههنا في الإثبات، وأجازه بدر الدين العيني، واستشهد بقول ابن مالك على الجواز فقال: ((قال ابن مالك: جاء استعمال (قط) في المثبت في هذه الرواية، وهو جائز، وغفل أكثرهم عن ذلك فخصوه بالماضي المنفي)) (3).
وما أراه في هذه المسألة أن استعمال (قط) في الإثبات من القليل النادر، ومنه قول أبي موسى الأشعري: ((خَسَفَتِ الشمسُ فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَزِعاً يخْشَى أن تكونَ الساعةُ، فأتى المسجدَ فصلى بأطولِ قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ رأيتُه قَطُّ)) (4)، ولهذا قال الرضي في شرح الكافية وهو يتحدث عن (قط): ((وقد يستعمل مع الإثبات)) (5)، وقال الفيروزابادي: ((تختص (قط) بالنفي ماضيا، وفي مواضع من البخاري جاء بعد المثبت .. وأثبته ابن مالك لغة)) (6).
.................................................. ........
(1) مغني اللبيب: ص223، وينظر في همع الهوامع: 1/ 214.
(2) صحيح البخاري، كتاب الرؤيا، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح.
(3) عمدة القاري: 20/ 55، وقد ورد قول ابن مالك في شواهد التوضيح: ص193.
(4) عمدة القاري: 6/ 97، كتاب الكسوف، باب الذكر في الكسوف.
(5) شرح الكافية للرضي: 2/ 124.
(6) القاموس المحيط: 2/ 394.