[العربية في زمن الحاسوب]
ـ[حمادي الموقت]ــــــــ[10 - 08 - 2009, 01:41 م]ـ
:::
[العربية في زمن الحاسوب]
بقلم: ذ. حمادي الموقت
(أبو ريحانة) لعل الحديث عن اللغة العربية ومستقبلها ضمن سيرورات المجتمع اللغوي - في زمن الرقمنة والهيمنة التكنلوجية- موضوع تتصارع حوله النظم والأفكار على مرأى من بدايتها، وتتقادم فيه الأشياء وهي في أوج جدتها، إنه موضوع في زمن تتآلف فيه الأشياء مع أضدادها.
فإذا كانت العربية بثروتها الواسعة وظواهرها المتباينة، قد نادت بقوتها وكينونتها وكفاءتها في تبني جميع أنماط العلوم المعرفية ... فلعله طرح زكاه المستشرق الألماني بروكلمن بكلامه حين قال: "تعد اللغة العربية من أرقى اللغات السامية تطورا من حيث تركيباتُ الجمل، ودقة التعبير. أما المفردات فهي فيها غنية غنى يسترعي الإنتباه، ولابد فهي نهر تصب فيه الجداول من شتى القبائل".
إنها حقيقة؛ حقيقة سجلها التاريخ تقول: كانت إحدى لغتين في العالم القديم، تُكتَب بهما الفلسفة والعلوم فيما بين القرنين 2 و16، حينما كانت العربية في الشرق واللاتينية في الغرب، حتى اعتُبرت لغة عالمية، فلعل هذا ممن يُبطل الدعاوى والشعارات القائلة: إنها لغة أدبية لاتصلح لأن تكون لغة علمية. وإن صَدَق هذا، فكيف سيكون حالها حين يعترض سبيلها شبح الإقتصاد والتنمية المجتمعية؟ ليصبح وجودها رهين بما تستطيع أن تقدمه للسوق المعلوماتية وللمنظومة التكنلوجية بشكل عام؟ هل سيكون في مقدورنا آنذاك أن نصنع من أجل تنمويتها عربيةً قطاعية؟ كعربية تكنلوجيا الزراعة مثلا، وعربية تكنلوجيا الإعلام، وعربية تكنلوجيا الطب، وعربية تكنلوجيا الصناعة، وعربية تكنلوجيا النقل والمواصلات، وعربية تكنلوجيا السياسة، وعربية تكنلوجيا القيم والمعتقدات ... ؟
لاشك أن من يُطالب بضرورة اعتبار اللغة الفرنسية مرجعا وأداة حاسمة تُصلح بها هذه اللغة الوطنية؛ ليس إلا إرضاءا لأصحاب ثقافة العولمة، واستصغارا لثقافة السلف، بعد عجز هؤلاء عن مد أوصالها بنموذج أكفى وفعال ينهض بها ويدمجها في عالم الرقمنة التنموية والإقتصادية. هل يكفي هذا كمنطلق حقيقي لزعزعة الروح العربية وتأكيد حاجاتنا الماسة إلى تمحيص علاقتنا بذواتنا أولا، ثم بثقافتنا وثقافة تكنلوجيا المعلومات ثانيا؟
ربما السبيل إلى ذلك؛ ليس سوى ضرورة التنسيق الدقيق بين سياساتنا الثقافية وسياساتنا العلمية والتكنلوجية. والخطير في الأمر، أن نسمع يوما ما؛ من يتولى نيابة عنا مهمة معالجة اللغة العربية آليا، وتطوير نظم الترجمة الآلية إليها، بعد ضمها –مثلا- إلى العبرية تحت سقف إدارة واحدة. وعندئذ ستحل بنا كارثة "نهاية الذات والهوية". فماذا سيكون رد فعلنا لو تَرجَمت هذا التخوف عدد من الجامعات والمعاهد الدولية حين تخصص لها قسما خاصا بها، وتدرجها ضمن طابورات الدراسة والتدريس؟.
فبقدر ماهو عصر جديد، بقدر ماهو عصر صناعة الثقافة وإعادة بناء المجتمعات – بل وإعادة بناء فكر مجتمعي سليم-، لخلق مثقف جديد. لكن هل عربيتنا بهذا الحال قادرة على رفع التحدي؟ أم أن الأمر متعلق وراجع إلى عجز وخمول أهلها؟
إن حقيقة ما يجب أن يقال:" إنها لغة غير مقصرة، ولن تكون كذلك إلا بمتكلميها، على اعتبارهم مصدر التزويد فيها، فلا يمكن أن تكون لغة علم وفكر ومعرفة؛ إذا كان المجتمع الذي يتكلمها عاطلا خاملا وبعيدا عن تعاطي العلم والفكر والمعرفة، وبالتالي، فقيمتها لن تكون بداخلها أو في ذاتها بل في ما يضعه العرب (مستعملوها) فيها، ولايكون هذا إلا بواسطة ممارسة اللغة واستعمالها والتداول بها ووضعها على المحك".
وما محكها إن لم تسهر مؤسسات ومعاهد فعلية على بلورتها كيانا عربيا للتنميةِ والإقتصاد؟.ومما يقترح على وجه الإستعجال -في هذا الباب- مايلي:
- أولا: الرغبة الأكيدة أفرادا وجماعات، حكومة ومؤسسات في جعل عربيتنا عربية العلم بامتياز؛
- ثانيا: توفير الإمكانات المادية والمعنوية؛
- ثالثا: خلق نظم للترجمة الآلية؛
- رابعا: خلق برامج و أوراش تعريبية؛ (و البدء بتعريب مصطلحات الحاسوب، وأنظمة البرمجة على اعتبارها المنفذ الحقيقي والمفتاح المنهجي الأكيد لكل ذلك)؛
- خامسا: مساهمة الإعلام ودوره الكبير في تحديث عربيةِ العلم ونشرها في أحضان العولمة المعلوماتية؛ أوالمنظومة اللغوية بصفة عامة.
¥