[تطور النظرة لذوى الاحتياجات الخاصة]
ـ[د. ماهر شعبان عبد الباري]ــــــــ[25 - 06 - 2009, 07:14 م]ـ
ثانيًا: تطور النظرة إلي المعوقين عبر العصور:
كانت للمجتمعات القديمة رؤية خرافية أو غير واقعية لتفسير الإعاقة , ولذا فقد أشار (صالح عبد المحسن , 1987 , 43) إلي عددمن المآسي التي ارتكبت في حق المعاقين إذ يقول: وقد أرجع الناس من قديم الزمان شذوذ تكوين المخلوقات إلي قوى غيبية أو تصورات غير منطقية , فأقدم تسجيل لمثل هذه الحالات ما ورد علي لوحة فخار اكتشفت في العراق , ويرجع تاريخها إلي حوالي ألفي عام قبل الميلاد, أي في عهد آشور بنيبال ملك نينوى , وفيها ذكرت بعض حالات شواذ المخلوقات وما صاحب ولادتها من أحداث اعتبروها نذير شؤم بمقدمها إلي الحياة , أو هي دلالة علي غضب الآلهة , ولهذا كان من عادة القدماء أن يقتلوا كل وليد يجيء بشيء شاذ في جسمه , وأحيانًا ما يحكمون بالموت علي أمه , ظنًا منهم أن في ذلك إرضاء للآلهة الغاضبة.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الإنسان البدائي كان جل همه هو البحث عن الطعام , فسنرى صعوبة مكانة المعوقين؛ لأنهم غير قادرين علي المشاركة في عمليات جمع الثمار , والصيد , فضلاً عن العجز التام في الدفاع عن أنفسهم.
لذا فإن المعاق أو ذوي الاحتياجات الخاصة في هذه المجتمعات كان يتعرض لنوع من الإبادة الجماعية لمن ترى فيهم عجزًا أو قصورًا؛ لأنهم من وجهة نظرهم غير قادرين علي تحقيق مقومات حياتهم بشكل طبيعي , فضلا عن عدم قدرتهم علي الإسهام في المجتمع الذي يوجدون فيه
لكننا نجد أن الأمر مختلف في الحضارة الفرعونية , حيث تعكس العديد من التحليلات التاريخية عن مدى اهتمام الملوك والفراعنة بأنماط من الرعاية الاجتماعية للفئات الخاصة , ومنهم علي سبيل المثال امنمحات الأول ورمسيس الأول حيث أعطيا اهتمامًا ملحوظًا برعاية الفقراء والأيتام والأرامل والعجزة والمحتاجين بصفة عامة , وبالطبع فقد أعان علي ذلك طبيعة الدور الديني للكهنة في عملية تنظيم العلاقات الاجتماعية والدينية مع الاهتمام بما يسمى بالفئات الخاصة من المجتمع (عبد الله محمد عبد الرحمن , 1994 , 85).
وإذا ما نظرنا إلي العصر الإغريقي فسنجد بأنه لم يكن أسعد حالاً من العصور السابقة , إذ نادى أفلاطون بوجوب التخلص من الأطفال المعوقين عن طريق قتلهم؛ للمحافظة علي نقاء العنصر البشري في جمهوريته , أما في اسبرطة فقد طغى علي أهلها الأطفال من سقام الأجسام غير صالحين للقيام بأي عمل , ولا يبعثون علي فخر أولياء أمورهم بهم , بالإضافة إلي ثقل أعبائهم ومتطلباتهم علي والديهم وأسرتهم , ولذا فقد حملوا الطفل بعد مولده إلي مكان معين يتم فحصه بمعرفة شيخ القبيلة , أو أكبر أفراد القبيلة سنًا , فإذا ما وجدوه قوي الجسم سليم البنية متناسق العضلات والتكوين أمروا بتربيته وتعليمه , فضلاً عن إقطاعه قطعة من الأرض , أما في حالة ضعف الطفل وسوء تكوينه فقد كان يلقى به في مكان سحيق بقاع الجبل؛ نظرًا لأنه يمثل عبئًا علي القبيلة.
أما في العصور الوسطى حيث ظهور الديانات , وما تحمله من قيم العدل , والتسامح , والإخاء , والمساواة , وحق كل فرد في الحياة, حيث أفسحت الكنيسة لهذه الفئة العيش في رحابها , كما أننا وجدنا الأديرة تقوم بدورها في رعاية مثل هذه الطوائف , فكان المعاقون يوضعون بدافع من الرحمة والشفقة في ملاجيء خاصة , حيث يطعمون وينامون حيث يقضي الله أمرًا كان مفعولا , وقد أمر دوق بافاريا بتأسيس بيت للمكفوفين في عام 1178 , وقام بمحاولة لتدريبهم (لطفي بركات أحمد , 1978 , 34).
وعندما جاء الإسلام لم تغفل الشريعة الغراء هذه الفئة ودور الجماعة الإسلامية في رعايتهم والأخذ بأيديهم , بل والتراحم معهم , يقول الله تبارك وتعالى " وتعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان " (سورة المائدة , الآية: 2) , ويقول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم " ابغوني في الضعفاء فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم " (أخرجه أحمد في مسنده , 4/ 133 عن معدي كرب) , ولذا فقد أوجب الله علي المجتمع أن يمد يد العون والمساعدة لفئة المعاقين علي تنوعها , وأن تتاح لهم الفرصة كي يحيوا حياة طبيعية من خلال مشاركة من سواهم في سائر الأنشطة (منظمة الأمم المتحدة للطفولة
¥