فأما ثيرة ففي إعلال واوه ثلاثة أقوال: أما صاحب الكتاب فحمله على الشذوذ وأما العباس فذكر أنهم أعلوه ليفصلوا بذلك بين الثور من الحيوان وبين الثور وهو القطعة من الأقط لأنهم لا يقولون فيه إلا ثِوَرة بالتصحيح لا غير.
وأما أبو بكر فذهب في إعلال ثيَرة إلى أن ذلك لأنها منقوصة من ثيارة فتركوا الإعلال في العين أمارة لما نووه من الألف كما جعلوا تصحيح نحو اجتوروا واعتونوا دليلاً على أنه في معنى ما لابد من صحته وهو تجاوروا وتعاونوا.
وقد قالوا أيضاً: ثيرة قال: صدر النهار يراعي ثيرةً رتعا وهذا لا نكير له في وجوبه لسكونه عينه.
نعم وقد دعاهم إيثارهم لتشبيه الأشياء بعضها ببعض أن حملوا الأصل على الفرع ألا تراهم يعلون المصدر لإعلال فعله ويصححونه لصحته.
وذلك نحو قولك: قمت قياماً وقاومت قواماً.
فإذا حملوا الأصل الذي هو المصدر على الفرع الذي هو الفعل فهل بقي في وضوح الدلالة على إيثارهم تشبيه الأشياء المتقاربة بعضها ببعض شبهة! وعلى ذلك أيضاً عوضوا في المصدر ما حذفوه في الفعل فقالوا: أكرم يكرم فلما حذفوا الهمزة في المضارع أثبتوها في المصدر فقالوا: الإكرام فدل هذا على أن هذه المثل كلها جارية مجرى المثال الواحد ألا تراهم لما حذفوا ياء فرازين عوضوا منها الهاء في نفس المثال فقالوا فرازنة.
وكذلك لما حذفوا فاء عدة عوضوا منها نفسها التاء.
وكذلك أينق في أحد قولي سيبويه فيها: لما حذفوا عينها عوضوا منها الياء في نفس المثال.
فدل هذا وغيره مما يطول تعداده على أن المثال والمصدر واسم الفاعل كل واحد منها يجري عندهم وفي محصول اعتدادهم مجرى الصورة الواحدة حتى إنه إذا لزم في بعضها شيء لعلة ما أوجبوه في الآخر وإن عرى في الظاهر من تلك العلة فأما في الحقيقة فكأنها فيه نفسه ألا ترى أنه إذا صح أن جميع هذه الأشياء على اختلاف أحوالها تجري عندهم مجرى المثال الواحد فإذا وجب في شيء منها حكم فإنه لذلك كأنه أمر لا يخصه من بقية الباب بل هو جار في الجميع مجرى واحداً لما قدمنا ذكره من الحال آنفاً.
واعلم أن من قوة القياس عندهم اعتقاد النحويين أن ما قيس على كلام العرب فهو عندهم من كلام العرب نحو قولك في قوله: كيف تبني من ضرب مثل جعفر: ضربب هذا من كلام العرب ولو بنيت مثله ضيرب أو ضورب أو ضروب أو نحو ذلك لم يعتقد من كلام العرب لأنه قياس على الأقل استعمالاً والأضعف قياساً.
وسنفرد لهذا الفصل باباً فإن فيه نظراً صالحاً.
باب جواز القياس على ما يقل ورفضه فيما هو أكثر منه
هذا باب ظاهره - إلى أن تعرف صورته - ظاهر التناقض إلا أنه مع تأمله صحيح.
وذلك أن يقل الشيء وهو قياس ويكون غيره أكثر منه إلا أنه ليس بقياس.
الأول قولهم في النسب إلى شنوءة: شنئي فلك - من بعد - أن تقول في الإضافة إلى قتوبة: قتبي وإلى ركوبة: ركبي وإلى حلوبة: حلبي قياساً على شنئي.
وذلك أنهم أجروا فعولة مجرى فعيلة لمشابهتها إياها من عدة أوجه: أحدها أن كل واحدة من فعولة وفعيلة ثلاثي ثم إن ثالث كل واحدة منهما حرف لين يجري مجرى صاحبه ألا ترى إلى اجتماع الواو والياء ردفين وامتناع ذلك في الألف وإلى جواز حركة كل واحدة من الياء والواو مع امتناع ذلك في الألف إلى غير ذلك.
ومنها أن في كل واحدة من فعولة وفعيلة تاء التأنيث.
ومنها اصطحاب فعول وفعيل على الموضع الواحد نحو أثيم وأثوم ورحيم ورحوم ومشي ومشو ونهي عن الشيء ونهو.
فلما استمرت حال فعيلة وفعولة هذا الاستمرار جرت واو شنوءة مجرى ياء حنيفة فكما قال أبو الحسن: فإن قلت: إنما جاء هذا في حرف واحد - يعني شنوءة - قال: فإنه جميع ما جاء.
وما ألطف هذا من القول من أبي الحسن! وتفسيره أن الذي جاء في فعولة هو هذا الحرف والقياس قابله ولم يأت فيه شيء ينقضه.
فإذا قاس الإنسان على جميع ما جاء وكان أيضاً صحيحاً في القياس مقبولاً فلا غرو ولا ملام.
وأما ما هو أكثر من باب شنئي ولا يجوز القياس عليه لأنه لم يكن هو على قياس فقولهم في ثقيف: ثقفي وفي قريش: قرشي وفي سليم: سلمي فهذا وإن كان أكثر من شنئي فإنه عند سيبويه ضعيف في القياس.
فلا يجيز على هذا في سعيد سعدي ولا في كريم كرمي.
فقد برد في اليد من هذا الموضع قانون يحمل عليه ويرد غيره إليه.
وإنما أذكر من هذا ونحوه رسوماً لتقتدى وأفرض منه آثاراً لتقتفى ولو التزمت الاستكثار منه لطال الكتاب به وأمل قارئه.
واعلم أن من قال في حلوبة: حلبي قياساً على قولك في حنيفة: حنفي فإنه لا يجيز في النسب إلى حرورة حرري ولا في صرورة صرري ولا في قوولة قولي.
وذلك أن فعولة في هذا محمولة على فعيلة وأنت لا تقول في الإضافة إلى فعيلة إذا كانت مضعفة أو معتلة العين إلا بالتصحيح نحو قولهم في شديد: شديدي وفي طويلة: طويلي استثقالاً لقولك: شددي وطولي.
فإذا كانت فعولة محمولة على فعيلة وفعيلة لا تقول فيها مع التضعيف واعتلال العين إلا بالإتمام فما كان محمولاً عليها أولى بأن يصح ولا يعل.
ومن قال في شنوءة: شنئي فأعل فإنه لا يقول في نحو جرادة وسعادة إلا بالإتمام: جرادي وسعادي.
وذلك لبعد الألف عن الياء " و " لما فيها من الخفة.
ولو جاز أن يقول في نحو جرادة: جردي لم يجز ذلك في نحو حمامة وعجاجة: حممي ولا عججي استكراهاً للتضعيف إلا أن يأنس بإظهار تضعيف فعل ولا في نحو سيابة وحوالة: سيبي ولا حولي استكراهاً لحركة المعتل في هذا الموضع.
وعلة ذلك ثابتة في التصريف فغنينا عن ذكرها الآن.
إعداد الدكتور ماهر شعبان عبد الباري
جمهورية مصر العربية
جوال رقم 0020161226864
E- Mail : Mahershaban***********