تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أكرر لك الشكر على ما قمت به من رجال الفكر و الدعوة في شبه القارة شخصية لها تأثير في العالم الإسلامي و آثار جهده نفذت شبه القارة إلى عالم العرب، هي شخصية الإستاذ وحيد الدين خان، للشيخ - رحمه الله تعالى - مصنف بعنوان "منزل البشر" و جمع فيه مقالات حول فكر الإنسان من ناحية الفكر دون الدين فهذا المصنف لا يقتصر قراؤه على المسلمين بل يعمهم و غيرهم. فقمت بتعريب مقالة منه. و هذه الترجمة ليست بلفظية، بل جربت فيها أول مرة ترجمة حرة حيث هضمت مغزى المقالة فكرا ثم كسوتها ثوب العربية بتعبيرات من نفسي دون رعاية أساليب (أريدية) اقتناها صاحب المقالة، و اقتضت الأمانة أن أوضح أني قدمت بعض ما أخره المصنف و أخرت بعض ما قدمه إلا أني لم أدخر جهدا لأن لا تشوه هذه العملية للتقديم و التأخير مغزى المقالة و تعبر عن غير ما شاء مبدعها.

و ما قدمت هذه الترجمة إلا كجزء من محاولاتي لأن أجيد اللغة العربية كتابة و ترجمة فإني طالب للعلوم الشرعية و العربية. و إليكم المقالة المعربة:

" يلقى المرء في الزمن الراهن شخصا بعد آخر، و لكنه إذا انتهى من لقاء، شعر بأنه لم يلق شخصا جديدا و كأن الشخص الذي لقيه ما هو إلا محاك لمن تعرض له قبله، فالمناظر تختلف و المخابر تتفق و الأشخاص تتفارق و الشخصيات تتقارب، فالشخصية واحدة، قلما تجد ثانيتها، و هي شخصية منفية، فكل من يتعرض لك فإنك تجده (موسوما) في الفكرة السيئة -إلا ما شاء الله-، و إن كان يتكلم أحد بكلمة طيبة، فبعد ما تتحسس مخبره يتبين لك أنه متنكر في زي الأفكار المثبتة و أن شخصيته لا تقل سلبا عن غيره مثقال ذرة و لا فرق في ذلك بين الإنسان العلماني و الإنسان المتدين على الأرجح.

لا ريب في أن أسوأ الشخصيات هي سلبية و الشخصية المثبتة هي التي يجب أن تلقب "بأحسن شخصية". و هذه الحقيقة تثير سؤالا هاما و هو "أ يجبل الإنسان على شخصيته أم يكتسبها هو نفسه؟ ". و السطور الآتية تسلط ضوء على الإجابة عنه.

الإنسان في نعومة أظفاره يكون كنور كما تثبت التجارب إلا أنه كلما تقدم سنا، شابت شخصيته شوائب مفسدة من نحو تعنت و تمرد، و بناء الشخصية عبارة عن أن الإنسان لا يدع نفسه يتحرف مزاجه عما كان عليه حين ولدته أمه، أو يقصع جرته قصعة الإبل المجترة أي يظل يزيح عن شخصيته أغشية الشوائب حتى عادت قراحا.

مثله كمثل الحديد، فإنه إذا وضع في الماء لأيام، صدئ و أحالت عن حالته الطبيعة و لكن هذا الصدأ ما هو إلا شيء سطحي و "غير مألوف" - إن صح التعبير - و إن دلك عاد الحديد إلى حالته الطبيعية.

هذا بيان لظاهرة نفسية بلغة التشبيه, و هي أن المرء إذا اغترف معصية ثم ما لبث أن يتنبه و طرد خيالها من مخيلاته و استقبحها و تاب عنها، صفا فكره و زكا قلبه و أما إن عاد إليها مرة بعد أخرى و لم يلب وبوحي ضميره، أصبح رويدا رويدا عرضة لعدم الإحساس بشناعتها، فالآن يعدو يعيش المعاصي و لا ينفعل بقول حق.

قد أوضحت الدراسة النفسية الحديثة هذه الظاهرة و ثبت حقها على معايير علمية جديدة و لم تعد نظرية بحتا، كما يقرر علماء النفس أن كل ما يمر بذهن الإنسان يقطع ثلاث مراحل متتالية:

1: العقل الواعي أو الظاهر.

2: العقل شبه الواعي.

3: العقل غير الواعي أو الباطن

فأول موارد لكل خاطرة هو العقل الواعي، في هذه المرحلة يمتلك الإنسان تحكما تاما عليها، فإن شاء نفضها بسهولة و طردها من مخليته و العقل الواعي أيضا يسمى بالذاكرة الحية

ثم إذا نام غادرت إلى العقل شبه الواعي بحكم عملية طبيعية، حينئذ يفقد الإنسان نصف ضبطها، و تصبح جزء من شخصيته إلا أنه الآن لا يستحضرها.

ثم إذا نام من الليلة التالية سافرت إلى العقل غير الواعي و ترسخت في شخصيته و الآن انتهى استيلاءه عليها بالكلية.

بعد توضيح هذه الظاهرة أقول مجيبا عن السؤال الذي استكتب السطور السابقة: من شاء أن يتحلى بالشخصية المثبتة فعليه أنه كلما خطر بباله خاطرة سلبية، لم يخلّ سبيلها من العقل الواعي إلى شبه الواعي بل إما أن يطردها على الفور و إما أن يبدلها من الخاطرة المثبتة فمثلا إذا وجد على أحد، عفا عنه من ساعته و لم تحل موجدته ثأرة و إذا ساءه خير أخيه، طوى كشح مخيلته عنه قبل إن يسري إلى شخصيته حسدا، فإجراء عملية التحويل مع كل فكرة سلبية مستمرا ينخل شخصيته و يصونها من الشوائب المفسدة، و التهاون بها يتمخض عن أداء ثمن باهظ.

في النهاية أقول: إن الشخصية السلبية هي الشخصية الجهنمية، فمن خاف العقبى المهلكة، فالتزم بهذه العملية التصحيحية.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير