ـ[محمد الجهالين]ــــــــ[13 - 10 - 2006, 10:01 ص]ـ
مَعَالِقُ الذَّنْبِ صَدَّتْنِي عَنِ الْكَلِمِ
رَغْمَ الْمَعَانِي الَّتِي تُمْتَاحُ فِي الْحَرَمِ
" معالق الذنب " إن كانت المعالق جمع مِعْلَق وهو القدح الذي يعلقه الراكب على دابته؛ فالصورة ذكية الوصف، ذلك أن الذنوب لدى الشاعر تتعرض لراكب الدنيا، الذي قلما يسلم من احتساء الذنوب بمعلق ضلاله.
الجناس الجزئي في " معا " بين " معالق " و " المعاني " أعطى المطلع طلاوة ترصيع، والحاء في " تمتاح " و " الحرم " زادت المطلع براعة تنويع.
هُنَا الْجَلالُ تَنَاهَى نَسْمَةً عَبِقَتْ
أَوْ خَلْجَةً سَمَقَتْ فِي عَبْرَةِ النَّدَمِ
لا انتهاء لذلك الجلال القدسي نسيما عبقا طاعة وخشوعا، واختلاجا سامقا توبة وخضوعا.
(عبقت، سمقت) قافية داخلية غير متكلفة، تناغمت مع نسج عروضي مموسق بحنكة في (نسمة، خلجة، عبرة). ولقد أطربني تكرار الجيم المفتوحة في التفعيلة الأولى في كلا الصدر والعجز.
هُنَا الْجَمِيعُ جَمِيلٌ فِي تَبَتُّلِهِ
فِي خَفْقَةِ الْقَلْبِ أَوْ فِي نَبْرَةٍ بِفَمِ
الصدر دارج عادي لم يشفع له جناس " جميـ " في (الجميع، جميل)، فدروج كلمة " جميل " على الألسن، جعلها سردية جامدة، مما جعل تكرار حرف الجر " في " تكرارا لم تسعفه لمحة الجمال في المواءمة بين الخفق والنبر، وبين القلب والفم.
هُنَا الطَّهَارَةُ فَيْضٌ حَوْلَهُ أَلَقٌ
يَجْرِي يُخَالِطُ قَلْباً لِلْجَمَالِ ظَمِي
لم أجد استخدام الظرف " حوله " موفقا في وصف الفيض، مفضلا استخدام فعل مضارع مكانها، ليعطي كثافة الجملة الاسمية حركة ذهنية، كأن تقول: فيض يعتلي ألقا، فيصبح الفيض عارما وقعا وتأثيرا، وهذا ما لم يحققه الفعلان المضارعان المتأخران (يجري، يخالط) إذ وصف الأول الألق بالجريان، فلندقق قليلا في جريان الألق حول فيض الطهارة،هل أضاف للطهارة دلالة أو صورة أقوى من الفيض؟ في ظني أن الفيض غني عن أن يرافقه جريان آخر، ثم إن وصف الألق بالجريان قد لا يكون مقنعا بمقدار ما يوصف بالإبراق والومض.
أما الفعل " يخالط " فلم يكن بمستوى الفيض أو الألق الجاري (حسب عودة الضمير المستتر فيه).
أيُّ مخالطة أمام الفيض؟ وأيُّ مخالطة أمام الجريان؟ هو الارتواء الوافر لا الاختلاط القاصر.
هُنَا تَمُورُ خَلايَا النَّفْسِ إِنْ خَطَرَتْ
هَوَاجِسٌ مِنْ دَوَاعِي السُّوءِ وَاللَّمَمِ
(خلايا النفس) تذكرني بما قاله جبران في تعليقه على قصيدة لللبنانية سلمى الصائغ، واصفا أهل الشرق:
هم في حاجة ماسّة الى مثل هذه العاطفة الحيّة المضطربة المجنّحة التي تصلي وتتألم وتبتسم وتبكي. هم في حاجة موجعة الى الاصوات التي تتصاعد من خلايا النفس لا الى الطنطنة التي تخرج من صدور القواميس.
خلايا النفس يتصاعد منها الصوت في عبارة جبران، لكنها في عبارة الثاقب تمور، وهذا تأثر بقول الله تعالى: (يَوْمَ تَمُور السَّماءُ مَوْراً وتَسِير الْجِبَالُ سَيْراً).
قال مجاهد: تدور دوراً.
وقال غيره: أي تجيء وتذهب.
تَفَاءَلِي يَا حُرُوفَ الشَّعْرِ وَانْطَلِقِي
وَعَانِقِي كُلَّ مَعْنًى لِلسُّمُوِّ نُمِي
صدر البيت ينساب سلاسة وعذوبة، لم أجد القافية الداخلية في (وانطلقي، عانقي) جميلة بمقدار ما لو كانت في (تفاءلي، وعانقي) مقترحا (تسابقي، وعانقي).
لا تَصْمُتِي وَجَلاً لا تُحْجِمِي خَجَلاً
وَحَلِّقِي فِي مَرَاقِي الْعِزِّ وَالشَّمَمِ
لقد استهلك الشعراء مثل هذا التقسيم الذي في الصدر الحاذق تفعيلة وتقفية، غير أنه تقسيم أرهقته " تحجمي " التي جعلت حرف الجيم ثقيل الظل قليلا.
وَسَطِّرِي أَحْرُفًا لِلنُّورِ مَوْئِلُهَا
تَسْرِي تَبَدَّدُ مِنْهَا أَحْلَكُ الظُّلَمِ
جاءت " تسري " مبتورة التوظيف معنى وموقعا فشابهت الحشو، أما " تَبَدَّدُ مِنْهَا أَحْلَكُ الظُّلَمِ " فعبارة ركبها الشعراء حتى قالت لهم دعوني.
تَزَاحَمَتْ هَهُنَا الأَجْسَادُ فِي شََغَفٍ
لِقَطْفِ أَحْلَى الْجَنَى يَا طِيبَ مُزْدَحَمِ!
كنتُ فيما مضى أكتب " ههنا " هكذا " ها هنا " فإذا بالثاقب يذكرني بأن كتابتها دون ألف قد ورد في المعاجم قياسا على هاء أسماء الإشارة (هذا، هذه ... ).فلا يظنن ظان بأن هناك خطأ في الرسم.
" يا طيب مزدحم " العاطفة هنا تتألق وئيدا وئيدا، في نداء يتدفق سعيدا سعيدا.
مَا بَيْنَ مُسْتَلِمٍ لِلرُّكْنِ فِي وَلَهٍ
أَوْ مُخْبِتٍ وَجِلٍ فِي خَيْرِ مُلْتَزَمِ
أََوْ طَائِفٍ حَوْلَ بَيْتِ اللهِ مُغْتَبِطٍ
بِفَضْلِ رَبَّكَ ذِي الإِنْعَامِ وَالْكَرَمِ
أَوْ قَائِمٍ وَجَلالُ الذِّكْرِ أَخْشَعَهُ
فَبَاتَ وَهْوَ يُغَنِّي أَحْسَنَ الْكَلِمِ
تتوالى صفات الملبين الطائفين، يستلمون الركن ولها وتبلا، ويخضعون اطمئنانا ووجلا، لكنني متوجس من غنائهم، فأحسن الكلم هو كلام الله الذي لا يغنى، وأعلم أن المقصود ليس الغناء المعروف ولكنها قد تشكل وتربك، فالكلمة الشرعية هي الترتيل.
وَرَفْرَفَتْ فِي مُحِيطِ الْبَيْتِ أَدْعِيَةٌ
دَوِيُّهَا فَاقَ حُسْنًا أَجْمَلَ النَّغَمِ
دق التصوير ورق التعبير، فهذه الأدعية المرفرفة المدوية طارت بأصحابها كما يطير حمام الحرم
ظَلَلْتُ أَرْقُبُ هَذَا الْحُسْنَ مُبْتَهِجًا
وَفِي الْحَنايَا لَهِيبٌ جِدُّ مُضْطَرِمِ
حَتَّى أَفَاضَتْ عُيُونِي دَمْعَهَا نَدَمًا
وَجَادَ قَلْبِي بِدَمْعٍ مِنْهُ مُنْسَجِمِ
قادنا الاضطرام في لهيب الحنايا إلى الاحتكام في إعراب " جد " التي صادفتها حواجز التفتيش الإشرافي فكان مما كتب في هوية " جد ": نعت مرفوع مضاف:)
" أفاضت عيوني دمعها " تعبير لم يكن بمستوى القصيدة، ثم ما هي دموع القلب؟
لَمْلَمْتُ أَشْلاءَ جِسْمٍ هَدَّهُ تَعَبٌ
وَغِبْتُ بَيْنَ الْوَرَى فِي زَحْمَةِ الْحَرَمِأهدك تعب المراقبة؟ أم معلق الذنب؟ أم ندم الدموع.
هذه أول قصيدة ينشرها الثاقب، فهنيئا له أمران:
الأول: شاعرية جدُّ قوية.
الثاني: هذا الاهتمام الحاشد الذي نالته القصيدة
وليعذرني الثاقب أنني تأخرتُ في العبور
¥