فما الشامُ في عينيكَ إلا صبابةٌ
وآهاتُ مشتاقٍ تؤرّقُهُ الذكرى
وما الشامُ في عينيكَ إلا كرائمٌ
تفيضُ على اللاجين من كرمٍ بحرا
شأت فاستظلّ الدهرُ في ظلّ عطفها
فكم برأتْ جُرحاً وكم كشفتْ ضُرّا
فيا جيرةً في الشام سَقْياً لأرضكم
وَرَعْياً لمن غنّى لمشرقها عمرا
وتأملت ... وأفضى بي التأمل إلى استحضار مأساة كبيرة في دنيانا العربية. تأمل في هذين البيتين:
فما العراق في عينيكَ إلا صبابةٌ
وآهاتُ مشتاقٍ تؤرّقُهُ الذكرى
وما العراق في عينيكَ إلا كرائمٌ
تفيضُ على اللاجين من كرمٍ بحرا
لقد فسد الوزن، وما فسد المعنى!
ولك أيضا أن تستبدل الشام بما تريد في البيتين:
شأت فاستظلّ الدهرُ في ظلّ عطفها
فكم برأتْ جُرحاً وكم كشفتْ ضُرّا
فيا جيرةً في الشام سَقْياً لأرضكم
وَرَعْياً لمن غنّى لمشرقها عمرا
ومهما استبدلت، فلن يفسد المعنى!
لقد أثارت قصديتك هذه هموما قديمة فيَّ أخي الكريم، و”نكشت” لديَّ جروحا لم تبرأ بعد، ولا أظنها تبرأ.
فما قيمة الشعر إذا لم يثر في القارئ هموما يعرفها؟ وما قيمته إذا لم يعبر عن همومنا تعبيرا يجعلنا معه نعتقد بأننا قائلوه؟! لقد ولى عصر الشعر الغنائي ذي الصنعة التامة والماء العالي والمعاني الرخيصة، لأن أحدا لا يقف عند شاعر يتغنى في زمن يحترق الوطن فيه بالنار. إن التغني في زمن التلظي ليس حالة ذاتية بقدر ما هو حالة أنانية لا تستحق المرور عليها، فضلا عن الوقوف عندها!
لقد رأيت أخي الكريم: محسوبك لا يفقه بصنعة الشعر بقدر ما أراد أن يعبر عن هم كبير أثارته قصيدتك لديه!
رحم الله الجواهري، لأن رحمته وسعت كل شيء. ورحم الله من مات من أهل العراق ووجد له في أرض الشام قبرا يستريح فيه بعدما ضاقت به أرضه، ورحم الله من مات من أهل الشام ووجد له في أرض العراق قبرا يستريح فيه بعدما ضاقت به أرضه أيضا، وردَّ جميع المُهَجَّرين إلى ديارهم …
حياك الله وآنسك.
عبدالرحمن.
ـ[ابن الفراتين]ــــــــ[23 - 11 - 2006, 12:55 م]ـ
أستاذي الأديب ابن الجهالين الموقر
الألقاب إذا كانت خالية من الغلو فلا بأس بها ولكن إذا جاءت لأهداف خافية بينة فهذا ما لا يستساغ من قبيل لقب أمير الشعراء فمثلا كم عالم حبر قد لقب بشيخ الاسلام ومحي الشريعة ومحي السنة وغير ذلك من الألقاب وكل ذلك من أجل الإشادة بما قدمه ذلك العالم من دون أن نجد حريجة في ذلك لأن الاسلام يستوعب هذه الألقاب وأما الشعر فلا يتزاحم على إمارته شاعران ولا أظن الشعر يرتضي أميراً غير الضمير.
لذا فلقب أمير الشعراء عندي غير مرضي لأن في ذلك حكماً على ما في الغيب مما سيكون وهذا ما لا يعلمه إلا الله تعالى ولنعم ما قلت:
يا أميرَ القريض لا يا أميرُ=فالقوافي أميرُهنَّ الضميرُ
ترفلُ الشوقياتُ باشا وباشا=بارك العيرُ فيهمو والنفيرُ
وسلامٌ دمشقُ أخنى عليها=أنَّ بالدمع لا يُجيرُ المُجيرُ
كم بكى دِنْشِوايَ صقرٌ ولكنْ=ما إلى دِنْشِوايَ هَبَّتْ صقورُ
لا أنا شاعرٌ إذا قلتُ شعرا=لا يُغَنّي بهِ فم ٌ مقهورُ
وعليَّ النهيق ُيوم أهَلّي=بالعباءات ِ ترتديها العيرُ
دمتَ ودام أخي أبو خالد على الكلمة الجميلة
وتقبل تحية أخيك
ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[23 - 11 - 2006, 01:10 م]ـ
يلخص أستاذي محمد بقوله:
لا أنا شاعرٌ إذا قلتُ شعرا ***** لا يُغَنّي بهِ فم ٌ مقهورُ
جميع ما أردت قوله أعلاه!
ـ[ابن الفراتين]ــــــــ[23 - 11 - 2006, 02:13 م]ـ
أخي الفاضل عبد الرحمن الموقر
أستميحك عذراً على تجشّمكَ عناء الرد فأشكرك على ذلك وعلى ملاحظاتك القيمة التي أذكت فيّ معانٍ جميلة استلهمتها من روحك الطيب ولكن للشام في روح الجواهري وروح كل عراقي عاش المحنة وقيدَ حبّ لا يخبو أواره ما عاش وإن معاناتك ومعاناتي واحدة ولكنها متنوعة الأوجه فأنا مثلاً مررت بظروف كان بيني وبين الموت باب صغيرة مختفٍ خلفها لا تفتح إلا على الموت وقد غلّقت ابواب السجن الكبير وكانت البلاد العربية: mad: حول هذا السجن حرساً وشهباً طاعة وحباً للسجّان المعتوه وقائدهم الذي مسخ فيما بعد جرذاً.
وما إن مضّني الإختفاء وأجهدني الابتلاء حدّ الدّهَش وضاقت الارض بما رحبت حتى منّ الله علي بالفرج فما رحّبت بي أرض غير الشام وما أجارتني سواها ولو هربت إلى غيرها لكنت في عديد الموتى.
ولو أذكر لك المأسي التي أحاطت بي وبالعراقيين لقلتَ أن ابن الفراتين جنّ والله فلا تلمني والحال هذه على ذكر الشام - أي أهل الشام من قبيل واسأل القرية - وما أسدت إلي من جميل وأنا كذلك لا ألومك على ذكر العراق.
أخي الفاضل: العراق ومأسيه عظيمة في عين كل حر غيور ولك أن تبدل الشام بالعراق في الأبيات الواردة فهذا ما تراه وهذا ما أراه والحب جامع بيننا والرأي مختلف.
وإذ قلتَ أخي الفاضل: لقد أثارت قصديتك هذه هموما قديمة فيَّ أخي الكريم، و”نكشت” لديَّ جروحا لم تبرأ بعد، ولا أظنها تبرأ.
فأقول: لقد أثار ردك الكريم فيّ هموماً قديمة و’’ نكش’’ لديّ جروحاً لم تبرأ بعد، ولا أظنها تبرأ.
ولا أنسى ذلك الزمن العصيب ذا الهول الرهيب والعرب خلف الجرذ ما درّت معائشهم ونحن نذبح ذبح النعاج حتى فقدنا العلق المستضن من خيرة الأشقاء والاصحاب وغيرهم والحمد لله عثرنا على بقايا رفات بعضهم في المقابر الجماعية التي سيحاسب عليها كل من ركن إلى الظالم ورضي به -أجارك الله-وقد قال تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار.
والحديث يطول ...
ولا ألخص قولي إلا بقول الشاعر ابن الجهالين:
لا أنا شاعرٌ إذا قلتُ شعراً ***** لا يُغَنّي بهِ فم ٌ مقهورُ
فعذراً أخي الكريم وقد نكأتَ القُرحة:) على ما قلتُه من شعر مما جهلت ثقل وطأته على قلبك الطاهر
ودمتَ أخاً براً كريماً.
¥