في هذه الأبيات الثلاثة يصف الشاعر لنا لم نالت هذه الواحدة من قلبه تلك المكانة الخاصة, لأنها هي في ذاتها خاصة مميزة عن النساء, فليست ذات لهو, وهي محروسة فلا يصل إليها أحد, وتحاذر الأجانب ولا تقترب منهم ولا تدعهم حتى يلحظونها كأنها ظبية تحرس صغيرها فتكون على يقظة دائمة متحسبة لكل شيء.
وهذه الواحدة تميزت كذلك بحفظ القرآن ودين وتقوى, كأن ذلك نور يشع منها فيبدد الغاشية والران, يبدد ظلم العين وغشاوة القلب.
هناك خطأ نحوي, لأن \نوارن\ مثنى وصرفت معها \يبدد\ بدل \يبددان\.
ولعل \سهولة النساء في الماضي\ و\صعوبة هذه في الحاضر\ أمر اعتبره الشاعر \ابتلاء\, فبعد أن كان يتنعم بهن وهن الكثيرات, فهاهو اليوم يطلب واحدة, وهي الواحدة, فلا يصل إليها, فيعذبه ذلك.
فهم ما شئت فيها يا فؤادي و قل ما شئت فيها يا لساني
بعد أن زجر الشاعر القلب ونهنه نفسه, هاهو يطلق سراحه من جديد, في بيت جميل جدا, يخاطب فيه القلب طالبا منه الهيام, وهو أكثر من الحب, فيها ومخاطبا اللسان طالبا منه النظم فيها.
فحسبكما الذي تريان مني نشيدٌ فانصرافٌ عن تدان
سأحاول أن أدعي أني فهمت البيت, فليس للقلب واللسان من الشاعر غير \النشيد\ الذي محله اللسان, والانصراف عن المحبوب الذي محله القلب, بعد ان اقترب منه, ولعل هذا الانصراف سببه الخفر والحراسة.
فإني اذهب الأحزان عنّي ببيدٍ مدُّها مدُّ الأماني
جميل تصوير البيداء المحسوسة بشيء غير محسوس, فعادة نقول \مدها مد البصر\ لكنك صورت امتدادها بـ\امتداد الأماني\ التي تسرح في كل المستقبلات وتمتد فيها آخذة من كل شيء سببا. صورة مبتكرة وجميلة.
ترا الأسراب راقصةٍ عليها بعيد القطر آمنة الجنانِ
الوصف الكلاسيكي للطبيعة بعد المطر الذي كان أنفس شيء للعرب, فهو مداد الحياة ووريدها في الصحراء القاسية, فتنبعث في البيداء القاحلة المهجورة الحياة فتخرج الأسراب والقطعان والناس يجمعون الماء, فسبحان قال: "وجعلنا من الماء كل شيء حي", ولعل \راقصة\ دلالة على فرح الطبيعة بالماء والحياة.
لكنك لم تخبرنا عن فاعل \أذهب الأحزان\, فقد نسيت أنك بدأت جملة ولم تنهها.
و ذودٍ شائباتٍ كل لونٍ يمانيةٍ بأخرى من عمانِ
وصف الإبل, مقياس الغنى عند العرب قديما وعند بعضهم حديثا, وصفت ألوانها ومأتاها من اليمن وعمان.
غير أني لست متأكدا أيجوز في الضرورات تخفيف تشديد \يمانية\, أنا أعرف أن تخفيفه في التذكير جائز, ولكن في التأنيث, لست أدري.
لها درُّ تساماه ثمالٌ كقطنٍ مكدسٍ في قشعمانِ
ولبن الناقة, ما شربته في حياتي أبدا ولكني أكلت لحمها وهو لذيذ جدا جدا, كالدر في بياضه وقيمته الغذائية عند العرب, وقد علته رغوة كالقطن ... وصف جميل جدا.
يقرُّ العينَ مشربُها وريحٌ بليلٌ عزفها عزف القيانِ
\مشربه\ لا بد أن تعود على \اللبن\ المقدر, فلماذا نسبتها إلى مؤنث؟
ها قد اكتملت الأجواء المناسبة للاحتفال والبهجة عند العرب:
بيداء (كناية عن الحرية والبعد عن المدنية) + مطر (كناية عن الخصوبة وانبعاث الحياة) + قطعان إبل (كناية عن الغنى) + لبن (من الإبل لبنها ولحمها إذا لزم) + هواء عليل (كناية عن انتعاش النفوس وارتخائها وتهيئها) + \وصوت الريح الذي شبهه الشاعر بعزف القيان, وهي الموسيقى التي تنقص الحفل, لكن الشاعر تعوض عنها بصوت الريح, كي لا يدخل المعازف إلى حفلته\
جميل جدا استعضاتك بصوت الريح عن القيان البشريات, أحسنت.
ترا حلق الصحاب مفصّلاتٍ بمتَكَئٍ موشّى كالجمانِ
وتكتمل الحفلة بوجود الصحاب, وقد تحلقوا على فراش وثير وقد استعدوا.
و حمرٍ من بنات البن تسقى كميت اللون صافية العيانِ
أعجبني تعبير \بنات البن\ ابتكرته كناية عن القهوة أم هو موجود فعلا؟
أشهيتني للقهوة غفر الله لك, بعد المغرب أعد لي قهوة بإذن الله, ولكنها لن تكون في لذة القهوة العربية الأصيلة (غير المُرة).
هل \حمر\ اسم القهوة أو كناية عن لونها؟ فأنت لم توضح في الحاشية. لأنك إذا كان ذلك لونها فقد كررت اللون في العجز دون فائدة, أم أن ذكر اللون في العجز تخصيص للأحمر الأول؟
¥