ـ[أمينة عبدالوهاب]ــــــــ[15 - 02 - 2007, 05:27 م]ـ
الأستاذ \ محجوب ..
ممتنة لحضورك هنا .. وأشكرك على ملاحظتك
دمت بخير
أمينة
ـ[أمينة عبدالوهاب]ــــــــ[15 - 02 - 2007, 05:32 م]ـ
ذات ليلة قرر أن يطرق النافذة عليه , كان به شوق جامح ليعرف سر السجن الإجباري الذي وضع نفسه فيه! فليس من عادته أن يبقى أياما طويلة دون أن يسير في الطرقات رافعا رأسه نحو السماء.كان دائما يحدق في شيء ما هنالك , حتى حينما يبقى داخل المنزل تجد نافذته مفتوحة و عيناه معلقتان نحوها لم يكن ينظر لجهة أخرى غير السماء! ماذا حل به يا تُرى!؟
على الناحية الأخرى من الكون كان يجلس في إحدى زوايا السماء و ينظر للأرض و هي تدور دورانها الأزلي! لم يدرِ كيف وصل إلى هذا المكان و ربما لم يتمنَ أن يصله إنه عمق علْوي لا يمكن أن يُدرك.
لا أدري ماذا أفعل هنا و لم أكتشف سوى عملين يمكنني ممارستهما: التأمل و النوم! و الغريب أنني حينما أغمض عينيّ لأنام أرى ما يحدث حولي و كأنني في كلا الحالتين مستيقظ! حتى حينما أحلم أرى ما يحيط بي , مهما حاولت أن أفر لا أستطيع فما حولي فيّ! فتيقنت أنه لا مفر أبدا.
كلما وجهتُ بصري ناحية الكرة الأرضية تنتابني أحاسيس لا أعتقد أن هناك إنسانا ما أحسها يوما أو أدركَ وجودها فيه , لكن الإحساس الأكيد الذي ميزته من بينها أنني لا أحن للعودة إلى الأرض بعدما نُفيتُ منها , و الأمر الأكيد الآخر أنهم قالوا بأنني مجنون! و المجانين ليسوا مؤهلين للحياة على الكرة الأرضية , فلا دور لهم و لا داعي لوجودهم! لكن ما يحيرني فعلا لماذا وُجد المجانين إذن!؟ و الذين يزعمون أنني أحدهم. صحيح أنني لم أكن أفهمهم و لم يكونوا يفهمونني , فلا لغة يمكنها أن تربط بيننا! حتى حينما أتحدث معهم يضحكون و كأنني أقول طُرفة , بينما كنت أسعى أن أنبههم لأنفسهم , و كنت و مازلتُ متيقنا أنني لست كما يقولون , إنما جننت لأنهم يريدونني هكذا! و كانوا لا يتورعون عن ارتكاب ما يُخجِلُ أمامي و لا يخافون حينما أكون من رآهم , فأنا لن أفعل شيئا و لن يصدقني أحدا إنما هذيان مجنون اعتادوا عليه.
لم يكن يهمني إن كنت عاقلا أم مجنونا في نظرهم , ما دمتُ (أنا) في كلا الحالين , و لكن ما يضايقني في جنوني أنني إنسان مسلوب الحقوق في كل شيء! و كأنني أفتقد (شعور الحاجة)! و أكثر ما آلمني حينما ذهبت لأمي ذات يوم و قلت لها أنني أرغب في الزواج كبقية إخوتي .. .. فضحكت في وجهي قائلة: أنتَ تتزوج! هناك من هم أفضل منك لم يقبلن الفتيات بهم فكيف سيقبلن بك!؟ ساءني حديثها لكنني واصلتُ و أخبرتها: أحب الفتاة التي تعيش في بيت على مقربة من بيت خالي , فما كان منها إلا أن انفجرت ضاحكة تقول: من يعلمك هذه الأمور تريد أن تتزوج و تحب أيضا لا يعقل هذا, أنت لا تعرف ماذا تعني كل هذه الأمور انسَ الموضوع. ساءني حديثها و بكيت تلك الليلة إنهم لا يفهمونني فقط بل و لا يشعرون بي و يعتقدون أنني بلا شعور و جردوني من انسانيتي هل يعتقدون أن المجنون بلا عقل حقا! و أن عقله معطل نهائيا!؟ لا يفكر .. لا يشعر .. و غير قادر على فعل شيء! و ما أبكاني أكثر و أكثر حينما رأيت الأضواء تزين بيت حبيبتي استعدادا لزفافها, و ما كاد أن يفتت عقلي نظرات أمي و ضحكاتها و التي تهمس للجميع على إثرها بأنني أفصحت لها عن رغبتي بالزواج من هذه الفتاة. و هاهو كل شيء قد انتهى و أصبحت بعيدا .. بعيدا .. تكفيهم الارض و يكفيني الكون.
بقي ساعات طويلة يحاول أن يفتح النافذة بعد أن ظل أكثر من ساعة يطرقها و لا من مجيب , سأل إخوته عنه فقالوا إنهم يطرقون عليه الباب منذ يومين و لم يرد فتركوه حتى يخرج بنفسه , و استدار مغادرا بخطوات بطيئة و بخيبة آلمت قلبه.
عندما تعيش في هذا المكان تعود لفطرتك الأولى , و تكتشف روحك يوم كنت مولودا جديدا و تشعر بإحساسك كطفل , مذهلة تلك الأحاسيس لأنك كنت ترى ما لم يكونوا يرونه و لا يتذكرونه , فلا يمكن لإنسان أن يتذكر الكيفية التي كانت عليها روحه في أيامه الأولى. و بينما هو في عمق إبحاره في هذا العالم النوراني , رأى نجمة تطير من بعيد و ظل يحدق فيها بتمعن و أحسها تقترب منه , رهبة ملأت قلبه من ذاك النور , و شيئا فشيئا اتضحت له الصورة إنها ليست نجمة إنه طائر أذهله بروعة جماله الآخاذ , همس في نفسه: ماذا يريد مني يا تُرى!؟ اقترب منه مبتسما و سأله:
- كيف أنت؟
- أنا كما تراني.
- حسنا , لا بد أن تأتي معي و لا تخف.
ذهب معه لم يكن هنا ما يدعوه لغير الاستسلام له. ووجد نفسه يطير .. ياللروعة إنني أطير! ..
و أخذ ينظر إليه محاولا أن يعرف ما هو؟! طائر , إنسان , ملاك , أم جميعهم!؟
كل يوم يزداد عجبي مما يحدث في هذا المكان .. حتى الكائنات الحية! لها شكل مختلف فلم أعتد أن أرى طائرا هكذا و لا بشرا هكذا , لم أكن أرى سوى بشر يعتقدون أنهم ملائكة! حينما يبتسمون رغما عنهم في وجوه بعضهم.
اخترَقَا أعماقا عديدة , و سارا في مسارات عجيبة حتى دخلا من باب عظيم صنعه و هاله ما رأى!
إنهم بالتأكيد الملائكة .. إنهم ملائكة الله! و لكن ماذا يريدون مني!؟
و لم يجرؤ على سؤاله .. ثواني .. دقائق .. ساعات مرت لا يعلم؛ و أخيرا التفت ناحيته قائلا: هنا مسكنك .. وهنا عملك .. و هنا حياتك!
نظر إليه مندهشا .. مستنكرا ربما!! فأردف: أنت إنسان مختار , نفسك الزكية قادتك إلى هنا أعلم أنك لم تدرك ذلك .. لكنك لدينا اليوم قرير العين.
ما أن وصل إلى نهاية الطريق حتى سمع صوت صرخة دوت في أرجاء القرية من تلك الغرفة في زاوية البيت.
أمينة عبدالوهاب
15\ 2 \2007