تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ترى رمحه ونبله ومجنه=وذا شطب عضب الضريبة مخذما

وأحناء سرج فاتر ولجامهُ=عتاد فتى هيجاً وطرفاً مسوَّما

وبدأ حاتم يغزو مع فتيان صعاليك ثم صار يغزو مع قومه وبقومه حتى أصبح رئيسا يأخذ المرباع أي ربع الغنيمة! وصار كما قال:

وإنّي كأشلاءِ اللّجام ولنْ ترَى=أخا الحرب إلا ساهمَ الوجه أغبرا

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها=وإن شمَّرت عن ساقها الحربُ شمرا

وأثرى حاتم وحقق الغنى ولم يكتف فليس هذا وحسب.

ماذا تريد بمالك يا حاتم؟

وما مال حاتم إلا الرواغي وليس ثمت نقد وهي أثمن من أي نقد وعليها يَقتل المرء ويُقتل وفيها الكرم والجود لأنها أعز المال وحاتم هو رب المال يسخره لما يشاء

ذَرِيني يكُنْ مالي لعِرْضِيَ جُنّة ً=يَقي المالُ عِرْضِي، قبل أن يَتَبَدّدا

ويريد الذكر الحسن وهو العمر الثاني:

أماوي إن المال غادٍ ورائح=ويبقى من المال الآحاديث والذكرُ

ويقول:

وأجعل مالي دون عرضي إنني=كذلِكُمُ مِمّا أُفيدُ وأُتْلِفُ

ويقول:

وأجعلُ مالي دون عرضي جنة ً=لنفسي فاستغني بما كان من فضلي

ولي معَ بذلِ المالِ والبأسِ صَوْلة ٌ=إذا الحرب أبدت عن نواجذها العصل

ويقول:

وإبلي رهن أن يكون كريمها=عَقِيراً أمامَ البيتِ حينَ أُثِيرُها

ويقول:

فنَفسَكَ أكرِمْها فإنّكَ إنْ تَهُنْ=عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

وصدق أبو عدي.

الفرق بين الصعلكة والغنى

من كان مثل حاتم فلا يخاف عليه من الغِير إذا أثرى فهو كريم يذكر من يألفه في المنزل الخشن وكما يقال (المال لا يغير النفوس لكنه يكشفها على حقيقتها) وحقيقة حاتم الكرم ومعدنه الجود على علّاته

عُنينا زماناً بالتّصَعْلُكِ والغِنى=كما الدهر في أيامه العسر واليسرُ

كَسَينا صرُوفَ الدّهرِ لِيناً وغِلظَة ً=وكلاً سقاناه بكأسيهما الدهرُ

فما زادنا بأواً على ذي قرابة ٍ=غِنانا ولا أزرى بأحسابِنا الفقرُ

ويقول:

وعشتُ مع الأقوام بالفقر والغنى=سَقاني بكأسَي ذاكَ كِلْتَيهِما دَهري

فلا فرق غير أنه أيام الصعلكة لا يجد ما ينفقه كما هو في حال الغنى وما غنى حاتم بدائم فلربما افتقر في يوم واغتنى في آخر ولربما وهب ماله كله وقد فعل ذلك مرات!

فليس همه الغنى وصدق حين يقول:

وقد عَلِمَ الأقوامُ لوْ أنّ حاتِماً=أراد ثراء المال كان له وفرُ

وجوه صرف المال

في كل وجه:

يُفّكّ بهِ العاني ويُؤكَلُ طَيّباً=ويُعْطَى إذا مَنّ البَخيلُ المُطَرَّدُ

إذا ما البخيل الخب أخمدَ ناره=أقولُ لمَنْ يَصْلى بناريَ أوقِدوا

وأيضا:

يُفَكّ بهِ العاني ويُؤكَلُ طَيّباً=وما إن تعريه القداح ولا الخمرُ

وذلك لأنه

يرى البخيل سبيل المال واحدة=إن الجواد يرى في ماله سبلا

لم هذا يا حاتم وماذا لبنيك؟

لا أدري من أين أتى حاتم بهذه النظرة المبذرة وكان آخر ما يفكر فيه الورثة لقد استفاد حاتم من ماله كله وصرفه فيما يرى وكانت نظرته:

وماذا يُعَدّي المالُ عَنكَ وجَمعُهُ=إذا كانَ ميراثاً وواراكَ لاحِدُ

واعتنق هذه الفكرة وأخلص لها وطورها:

أماوي ما يغني الثراءُ عن الفتى=إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدرُ

إذا أنا دلاني الذين أحبهم=لِمَلْحُودَة ٍ زُلْجٌ جَوانبُها غُبْرُ

وراحوا عجلاً ينفصون أكفهم=يَقولونَ قد دَمّى أنامِلَنا الحَفْرُ

أماوي إن يصبح صداي بقفرة=من الأرض لا ماء هناك ولا خمرُ

ترى ْ أن ما أهلكت لم يك ضرني=وأنّ يَدي ممّا بخِلْتُ بهِ صَفْرُ

وكاد أن يكون أنانيا أو كان

أهِنْ للّذي تَهْوَى التّلادَ فإنّهُ=إذا مُتَّ كانَ المالُ نَهْباً مُقَسَّمَا

ولا تشقين فيه فيسعد وارثٌ=بهِ حينَ تخشَى أغبرَ اللّوْنِ مُظلِما

يُقَسّمُهُ غُنْماً ويَشري كَرامَة ً=وقد صِرْتَ في خطٍّ من الأرْض أعظُما

قليلٌ بهِ ما يَحمَدَنّكَ وَارِثٌ=إذا ساق مما كنت تجمع مغنما

ولننظر فيما يريد أن يخلفه للورثة:

متى يأتِ يوماً وارثي يبتغي الغنى=يجد جمع كف غير ملء ولا صفر

يجدْ فرساً مثل العنان وصارماً=حُساماً إذا ما هُزّ لم يَرْضَ بالهَبرِ

وأسمر خطياً كأن كعوبهُ=نوى القسب قد أرمى ذراعاً على العشر

وإنّي لأستَحيي منَ الأرْضِ أنْ أرَى=بها النّابَ تَمشي في عشِيّاتها الغُبْرِ

وعشتُ مع الأقوام بالفقر والغنى=سَقاني بكأسَي ذاكَ كِلْتَيهِما دَهري

فرس وسيف ورمح! ربما ليغزوا!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير