وبهذا التفكير صار حاتم ربا للمال واستعبده وأن تكون ربا للمال خيرا من أن تكون عبدا له
إذا كانَ بعضُ المالِ رَبّاً لأهْلِهِ =فإنّي بحَمْدِ اللَّهِ مالي مُعَبَّدُ
وصدق حاتم.
حاتم والنسوة
رأيت الشعراء يظلمون نساءهم كثيرا ويقولون على ألسنتهن ما لم يقلن لكن حاتما قد يكون صادقا ولامرأتيه العذر في لومه فإن حاتما ينفق في ساعة ما يضمن لهما ولأولادهما العيش لسنوات فبدأ الاحتجاج واللوم والعذل مثنى وفرادى
وعاذلة هبت بليل تلومني=وقد غاب عيوق الثريا فعردا
تَلومُ على إعطائيَ المالَ ضِلّة ً=إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
تقولُ ألا أمْسِكْ عليكَ فإنّني=أرى المال عند الممسكين معبَّدا
ذَريني وحالي إنّ مالَكِ وافِرٌ=وكل امرئٍ جارٍ على ما تعودا
أعاذل لا آلوك إلا خليقتي=فلا تَجعَلي فوْقي لِسانَكِ مِبْرَدا
ذَرِيني يكُنْ مالي لعِرْضِيَ جُنّة=يَقي المالُ عِرْضِي قبل أن يَتَبَدّدا
ولنرى بماذا احتج عليها حاتم
أرِيني جَواداً ماتَ هَزْلاً لَعَلّني=أرَى ما تَرَينَ أوْ بَخيلاً مُخَلَّدا
وإلاّ فكُفّي بَعضَ لومكِ واجعلي=إلى رأي من تلحين رأيك مسندا
ما هذه المغالطة يا أبا عدي؟ لقد غلبت المرأة!
ولكنها لا تفتأ تلومك علّك تقلع عن عادتك ولو أن الطبع يغلب التطبع!
وقائِلَة ٍ أهْلَكْتَ بالجودِ مالَنا=ونفسك حتى ضر نفسك جودها
فقلتُ دَعيني إنّما تِلكَ عادَتي=لكل كريمٍ عادة يستعدها
وقبل كانت ماوية وقد دخلت النوَّار الخط:
مهلاً نوار اقلي اللوم والعذلا=ولا تقولي لشيء فات ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه=مهلاً وإن كنت أعطي الجن والخبلا
يرى البخيل سيل المال واحدة=إن الجواد يرى في ماله سيلا
إن البخيلَ إذا ما مات يتبعه=سُوءُ الثّناءِ ويحوي الوارِثُ الإبِلا
فاصدقْ حديثك إن المرء يتبعه=ما كان يَبني إذا ما نَعْشُهُ حُمِلا
لَيتَ البخيلَ يراهُ النّاسُ كُلُّهُمُ=كما يراهم فلا يقرى إذا نزلا
لا تعذليني على مال وصلت بهِ=رحماً، وخير سبيل المال ما وصلا
فلما لم يقلع عن عادته الكريمة ولم ينته أقبلتا معا:
وعاذلتين هبتا بعد هجعة=تَلُومانِ مِتْلافاً مُفيداً مُلَوَّمَا
تَلومانِ لمّا غَوّرَ النّجمُ ضِلّة ً=فتًى لا يرَى الإتلافَ في الحمدِ مغرَما
فقلتُ وقد طالَ العِتابُ علَيهِما=ولوْ عَذَراني أنْ تَبينَا وتُصْرَما
ألا لا تَلُوماني على ما تَقَدّما=كفى بصُرُوفِ الدّهرِ للمرْءِ مُحْكِما
فإنّكُما لا ما مضَى تُدْرِكانِهِ=ولَسْتُ على ما فاتَني مُتَنَدّمَا
فنَفسَكَ أكرِمْها فإنّكَ إنْ تَهُنْ=عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما
ولم يلق ذلك من أهله فحسب بل حتى من قومه:
يقولون لي أهلكت مالك فاقتصد=وما كنتُ لولا ما تقولونَ سيّدا
كلوا الآن من رزق الإله وأيسروا=فإنّ على الرّحمانِ رِزْقَكُمُ غَدا
وعذره للرجال هنا ألحن من عذره للنساء ولا أدري لماذا؟ هل كان يريد أن يسكت امرأتيه فقط؟ أما الرجال فيريد أن يحاجهم.
وما ينفع اللوم والعذل فلم تكن عادة حاتم وليدة اليوم:
فقِدْماً عَصَيتُ العاذِلاتِ، وسُلّطتْ=على مُصْطفَى مالي أنامِلِيَ العَشْرُ
فهو كما يرى مُسّلط فدعوه وهذا الدليل
امرأته تلومه على إسرافه وهو يقول لها:
فلُوميني إذا لم أقْرِ ضَيْفاً=وأُكْرِمْ مُكْرِمي وأُهِنْ مُهيني
تريدها أن تلومك على هذا؟!!
صدق حاتم لولا ذلك لم يخلد ذكره.
وحقق حاتم مناه وطموحه وكسب رهانه ولكن أمنية تمناها لم يفعلها وهي في قوله:
لَيتَ البخيلَ يراهُ النّاسُ كُلُّهُمُ=كما يراهم فلا يقرى إذا نزلا
ولعلّه تمناها لنا أما هو فلم يكن ليفعلها لأنه يحب مكارم الأخلاق.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[27 - 09 - 2008, 08:19 م]ـ
أود أن أنظر إلى كرم حاتم من زاوية في نظري أنها صحيحة وتمكن من الرؤية ما لم يكن على بصري غشاوة
حاتم يأخذ المال بالقوة ويعطيه بالسؤال
قد يأخذه من محتاج إليه ويعطيه غير محتاج
قد يأخذه من غني ويهبه فقيرا
اشتراكية أم رأسمالية؟
أم العطاء لمجرد العطاء؟
الغصب للعطاء
القتال للنوال
لكن على الأقل كان حاتم يَنْهب ويُنْهِب في حين أن الآخرين يأخذون ولا يعطون.
لكن أليس الأولى ألا تزني تلك المرأة ولا تتصدق!
لكن وحتى لا نظلم أبا عدي فإنه أقسم ألا يقتل واحد أمه أما ما عداه فلا بأس أن يمر السيف على عنقه!
هذه فلسفة في الكرم حتى المنهوب المسلوب يقر بكرم حاتم وجوده
ولعله وهو الخصم لو سأل حاتما أن يهبه المال بعد المعركة لوهبه المال
و لا بد أن جيران حاتم لا يغزون فيكفيهم أن يسألوا أبا عدي ويعطيهم وذلك خير من كسب المعارك مال بلا قتال لكن إن احتاج حاتم إلى المال هل يغزوهم؟ ّ!!
والآن لنضع حاتما في ميزان الإسلام وننظر هل يرجح أم لا؟
لم يقر الإسلام أفعال حاتم حتى الحديث المروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع سفانة بنت حاتم وقوله يا جارية لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق! حديث لم يصح!
والإسلام لم ينفر من الكرم بل حث عليه جدا لكنه بيّن السّرف فيه وهو ما لم يتبين لحاتم الطائي ولم يكن في موازينه بل ربما رأى الاقتصاد عيبا في حين رآه الإسلام حدا بين السّرف والبخل وهكذا تعود الأمور إلى نصابها الصحيح بالضوابط وبالتوازن. ولو نظرنا إلى المال وكسبه وما يتبع ذلك رأينا حاتما يتجاوز حدود الإسلام والسلام والفطرة ...
وفي آخر الأمر لم يرجح حاتم بميزان الإسلام، لكنه رجح في ميزان الجاهلية أيما رجحان.
رجل عاش لهدف وحققه، عاش ليبذل ويعطي ويجود ليبقى ذكره وغلب نفسه حتى تعود ت البذل والعطاء فهو عن حق لو أراد أن يمنع لم تطعه أنامله وسطر للكرم العربي سطورا ما زالت مضيئة في التاريخ العالمي.
¥