تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعجيب هو ذلك التركيب الجميل من الصور البديعة - التي رسمها الجواهري - في البيت لشيء واحد هو الليل، حيث بدأ بتصويره وكأنه رداء (تجسيد مرن) يلتف حول المدينة – يافا -، ثم تصويره بإنسان (تشخيص) مريبةٌ خطواته يسعى خفية باتجاه المدينة، وحتى تكتمل الصورة أكثر – فالخفية تحتاج إلى ظلام دامس – أضاف غيوما كثيفة غيّبت الأضواء فبقى الليل حالكاً، فجعل الليل هو مركز اهتمامه في هذا البيت ما يتطلب قبل دخول المطر في مشهد أجمل.

إلى لقاء ..

ـ[السراج]ــــــــ[06 - 12 - 2008, 11:19 ص]ـ

مرة أخرى .. مع البحتري في وصف بركة المتوكل:

تنصبّ فيها وفود الماء معجلةً ** كالخيل، جاريةً من جبل مجريها

بدأ بالماء الذي هو أهم ما بالبركة وأساسها الذي يقوم عليه جمالها ورونقها وصوّره كأنه دخيل ليس من أصل البركة بل قادما إليها كما يقدم الجمع الكثير من الناس للتهنئة وغير ذلك.وأفضل ما يشير لذلك هي لفظة (تنصب).

ثم ألحقها بأخرى ليؤكد على هذه الفكرة، دلالة على جمال البركة وجدتها، فأتى بكلمة وفود التي تدل على الجماعة الكثيرة (القادمة) لمهمة أو تهنئة أو حتى مبايعة على الخلافة، ثم أسبغ عليها حلة جديدة عندما استخدم لفظة (معجلة) أي مسرعة – ومن عجب هذه اللفظة في اللغة العربية أنها رابط وثيق بين السرعة والجمال فغالبا ما ارتبطت السرعة – أو المشية – السريعة ب (معجلة)، وكأن هذه – وفود الماء – مشتاقة لرؤية البركة وزيارتها لفرط جمالها، فأتتها وهي بكامل حسنها.

والعجيب أن كلمة وفود جمع ل (وفد) والوفد أصلا دالة على جماعة فأتى وجمعها ليدل على جماعة أكبر، وهذا ما أراد أن يسوقه لنا، يصفه لنا (كثرة مياه البركة)، وأفضل ما يقوم مكان المشبه به هنا – الخيل – وكما أراد الشاعر لشبهها بالماء في نواحي كثيرة – السرعة واللطافة والجمال ..

استخدم في هذا البيت لفظتين تدلان على السرعة والجمال في آن واحد هما (معجلة) و (جارية) .. واستخدمهما بصورة الحال في النحو العربي وليس الصفة، فكان المعنى أكثر دقة وأجمل في الوصف.

فالماء قد يسيل ببطء في أحيان كثيرة وله منظر رائق حينها وقد يجري سريعا وله جمال أخاذ مع قوة اندفاع وحينها كأنه قادم لشيء ما ..

فمعجلة ً حال من وفود الماء، وجاريةً حال من الخيل وهي مثل الماء في جمال سرعتها وجمال بطئها ..

لقد وفق الشاعر البحتري في توظيف اللفظتين في ذلك، إضافة إلى لصق رابط لفظي بين الماء والخيل وهي كلمة – جارية - ..

ـ[السراج]ــــــــ[03 - 03 - 2009, 10:00 م]ـ

ولذيذ الحياة أنفس في النفس=وأشهى من أن يمل وأحلى

إذا الشيخ قال أف فما مل=الحياة ولكن الضعف ملا

آلة العيش صحة وشباب=فإذا وليا عن المرء ولى

للمتنبي ..

تصوير المجرّب للحياة، السابر لأغوارها، العارف بأحوال من عليها ومدرك لرغباتهم وأهوائهم، قد عايشهم فقيرا ورافقهم غنيا ومشى مع عامتهم وتضاحك مع ملوكهم، خاض المعارك وامتطى الأهوال والمصاعب، شارك في الرحلات ومجالس أنس الأمراء ... ثم يصب الفكر سيلا، وينمق الألفاظ اختيارا تلائم ما تلهو به جزيئات عقله، ثم يرصع الأحرف أسماطا والكلمات أوساطا في حسن تنظيم وبراعة تقسيم، ويسكب عليها شيئا من نفسه التواقة لكل شيء، ويسكب عليها شيئا من منكهات اللغة الخالدة فتبدو في حلة نفيسة فيبقى عليه إذابتها عذوبة كالنهر ينساب خفية فيختار حرفا يذوب في اللسان ويعجب الجنان فيهرب – شاعرنا – بالبيان ..

ولو أراد أن يكثر من الأبيات ساقها كالنوق ترغي قوافل لا تكل ولا تتذمر لكنه رام الصعب واختار العالي من القدرات فأوجز لذائذ العيش ومكامن النفوس في أبيات ثلاثة، لكنها لذائذ حقيقية تنم عن من وصل بعيدا في حياته ونال أصعب شيء فطلب لذة الشيء وحقيقته.

طلب ما ساور الشعراء يوما، وما تمنوا أن يلحقوه جريا ووقفوا في انتظاره شبابهم الهارب، وما لم يستطيعوا أن يكتموا مرادهم فيه رغم حساسية ما يطلبوه. وإن أردت بلغة اليوم فالشاعر يحدثنا بها حين يعتقد أن كل شيء يحركه شيء آخر – آلة – تجعل منه ذا حياة وهو ما يوثق لنا قدم اللغة في احتوائها ألفاظ كنا نظن جدتها وما توانى شاعرنا في إبهارنا بها فالقلب آلة الجسم، وهنا – في البيت – الصحة والشباب آلة حياة المرء فإن تعطلت ولى ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير