ـ[همبريالي]ــــــــ[29 - 03 - 2010, 06:19 م]ـ
السلام عليكم
قراءات رائعة وعميقة أوصلتنا لضفاف الأبيات بعدما كانت (الأبيات) تزم جفونها
أشكرك أستاذنا الفاضل على هذه الإضاءات
عسى أن تغوص بنا في بحر المعاني ........
تقبل شكري واحترامي ... وتأكد من استفادتي وامتناني
ـ[السراج]ــــــــ[30 - 03 - 2010, 11:20 ص]ـ
بارك الله فيك على حضورك يا أبا حفص ..
وعلى رقائق الألفاظ
ـ[السراج]ــــــــ[30 - 03 - 2010, 11:25 ص]ـ
لفّ العباءةَ واستقلاَّ ****بقطيعهِ عَجَلاً .. ومهلا
رمي بها جيلاً فتتبع **** خطوَهُ .. ويحطُّ سَهلا
يُومي فتفهم ما يريد **** ويرتمي فتهبُّ عجلى
وتكاد " تُعرِبُ " بالثُغاء **** " هَلاً " و " حيهِلاّ " و " هلاّ "
حركية الألفاظ وتقافز المعاني هُنا وهناك كأنها تتلذذ بما صاغ الشاعر أو ما اختار من قلبه سلاسل الكلمات التي تجري عذوبة كنهر انسل في رقّة من علوّ.
الشاعر – ورغم أنه يصفُ راعياً - لكنه ضخّ من المعاني التي حين تبدأ في تناوبها على الأذهان تكادُ تعتقد أن الجواهري كان راعياً أو قل كان مع ذلك الراعي الذي يصفه!
فقد دقق في كل (المسارات) التي يتبعها أيّ راعٍ، وماذا يفعلُ؟ وكيف (يخاطبُ) قطيعه؟ ومن يُقابل؟ وما الأخطار التي (تتربص) بقطيعه؟ وأوقات خروجه ومضيه وإيابه. وماذا يرى من الأشجار والزهور حتى غدا (خبيراً) بها ..
كل ذلك فصّل الجواهري به قصيدته حتى غدتْ جوهرة من جواهره، وحتى تظنّ – كما أسلفنا – أنه شاعرٌ راع.
وإذا توقّفنا عند كل بيت ستجد براعة جميلة في الوصف كما هو الحال عند عباقرة الوصف القدماء وإن كان الشاعر نكّه تلك القصيدة بنكهة (سياسية).
لكن سنقف عند بيت واحد – إن استطعنا أن نجتثّه من جذور القصيدة ككل – فهي متآخية الجذور صافية المعاني ..
يُومي فتفهم ما يريد ***** ويرتمي فتهبُّ عجلى
الحديثُ عن راعٍ يقتضي الحديث عن (قطيعه) الذي يسوقه طيلة نهاره حتى أصبحتْ تلك (الشياه) جزءاً من حياته بلْ من نفسه، لا يفترقان وتُصبحان في تآلف لغوي رغم ما بينهما من بون.
انظر كيف يحشد الأفعال في ذلك البيت الصغير ويملأه ضجيجاً (هل تأملتم كثرة الحركة والحيوية في بيت!؟) ضجيجاً دون صوت!
هاهو يومي لشياهه – ومن فُرط تعلقها به ولزومه إياها - تستجيب فالرمزُ سرى مفعوله وما أجمل حين قال (فتفهم ما يريد)، وكأنه علمها على كل الرموز بينهما، فما أومأ إليها بشيء إلى عرفتْ. فإذا لوّح بيده سارتْ مٌدركةٌ ما يريد.وإذا ارتمى على الأرض هبّت أنّهُنا المُقام القصير.
لكنه زيّن بالأفعال المضارعة حينا حتى تحسّ أنك تُشاهد صورة متحركة من الارتماء وجذب القطيع في حركة سريعة عبّر عنها بلفظة (فتهبّ)، وحينا آخر بلفظة الغلق التي جاءت لينة في شوق وفرح وسرور فهو مرتعها.
ـ[همبريالي]ــــــــ[04 - 04 - 2010, 01:25 م]ـ
أنت تقدم لنا قراءات جمالية رائعة
ولكن عندي طلب بسيط لو تكرمت: أن تقرأ لنا بعض الأبيات قراءة بنيوية أو سيميائية أو تفكيكية. بعد إذنك طبعا.
تقبل مروري وشكري
ـ[السراج]ــــــــ[31 - 07 - 2010, 08:52 ص]ـ
قرأتُ العديد من أبيات أبي الطيب فمنها ما يمر أمامي صورا تترى تجسد حسّ حياته المتسارعة رغم إحاطتها بإطار الحروف، فترى الأصوات يلونها بواقعها وواقعه فمرة تدوي وأخرى تخفت حتى تكاد تذهل من القدرة العجيبة على إضفاء صورا حقيقية نتأثر بمشاركته لهذه الحياة وكأنما المتنبي - في هذا البيت - من نبرة الصوت يشكو لنا!
أُسارقُكَ اللحظَ مُستحيياً ... وأزجرُ في الخيلِ مُهري سِرارا
القصيدة نموذج رائع في الاعتذار وهي صورة مغايرة عن اعتذاريات النابغة كونه كان يخاطبُ ملكاً أما المتنبي فقد كان سيف الدولة صاحبا له!
وهي درس لطيف كيف لا ومطلعها ينبي عن حديث عينين أو قلبين فما يلقى صديق به صديقه: السلام الطويل أصبح مختصرا وما يأتلف به: القرب صار ازورارا وخفية. مطلعٌ يختصر الشاعر بقوته وصفاته ففي مواقف الاعتذار يسرد عتاباً رقيقاً للآخر غلّفه بأناقة وحُسن في كلمات لا مكان لها إلا القلب والقبول.
أما مناسبتها فلطيفةُ الأدباء فهذا الشاعر القريب تأخر عن مجالسة الأمير مدّة من الزمن وإن حضَر شاردَ الذهنِ لا يرسل مدائحه – كما تعوّد – (كالمنطاد) فما كان من سيف الدولة إلا عتابه ونسي ذلك الشاعر.
سيف الدولة ممتطياً جواده ومعه حاشيته يخرجُ في بعض شؤونه وإذا به يلقى المتنبي فلم يأبه به فحسّ شاعرنا انحرافاً عنه فقد كان الأمير تعوّد أن يقبل عليه ويسلّم. فتذكّر تقصيره في مدائحه وبُعده عن مجلسه مدّة، فعاد إلى منزله فكتب هذه الاعتذارية الرائعة.
الشطر الأول نسيج وحده
تأمل: فهو يتكون من ثلاث لفظات لكنها عبرت عن معنى بحجم دواخله ولواعجه التي هبّت لنجدة مكانته القريبة فكان لابد من التعبير فالذي يقربه من مجلسه والذي يبتسم في لقائه أصبح لا يهتم له فكان البوح بحجم المتنبي بحجم الكبرياء.
الخطاب مبني على فعل نادر، فعل مربوط (بمادة) الاستحياء الذي نتج عن إرادة البعد المؤقت من قبل سيف الدولة الذي أراد إلقاء (أشعة الكشف) على صديقه تأمينا على قول الوشاة. فكان الفعل من هذه المادة (سرق).
وهذا البيت الآن هو رواية يحكيها أبوالطيب عن نفسه في تلك الحالة حيثُ كان يتوارى ويختلس النظرات إلى سيف الدولة (وهو الآن يخاطبه) استحياء فيكادُ لايرفع بصره كي لا يراه.
أما هُنا فجمال لغوي في اختياره للألفاظ فها هو يختلس النظر لرفيقه كي لا يراه. لكنه لم يقل النظر قد استعاض بـ (اللحظ) الدقيق والسريع مناسبة - تمام المناسبة - مع الاستراق والحياء. لله درك يا أبا الطيب!
أما الشطر الثاني فامتزج بين الأصوات القوية والخافتة ليصل إلى السكون والكتم. ففي الميدان واجتماع الأحصنة والصورة كما كانت (مختلسة)، الصوت هو الآخر كان خفياً! فمن ذا يزجرُ خيله سرّا؟! المتنبي كي لا يعرفه الأمير صيّر جواده مُتلقياً لإشاراته فكان مثل غلامه أدنى إشارة يفهمها حتى حديث عيونه في الزجر الذي امّحى منه الصوت!