تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

• قضية الكتابة في قواعد التفسير جاءت متأخرة (1) , وإن كنا نجد هذه القواعد مبثوثة في كتب التفسير منذ أن نشأ من عهد الصحابة؛ لأن الأصل في التفسير أن يقوم على قواعد وأسس, وعدم الكتابة فيها منذ القدم لا يعني أنه لا يوجد للتفسير أسس وقواعد؛ ولهذا فإن ابن عاشور اعترض ـ في مقدمته للتحرير والتنوير ـ أن يعد التفسير علماً بناء على أنه لا يوجد للتفسير أصولاً وأسساً كغيره من العلوم, وذلك مبني على تعريفه هو للعلم، وبناءًا على تعريفه فإن ما توصل إليه صحيح, لكن تعريفه للعلم فيه إشكال, وكذلك ما ذكره عن التفسير من أنه شرح المفردات ليس دقيقاً بل الصواب أنه بيان المعاني ولا يمكن معرفة هذه المعاني إلا بأسس وقواعد وضوابط هي أصول التفسير.

• قول السيوطي: (قاعدة: الأصل عوده على أقرب مذكور ..... )

هذه القاعدة التي ذكرها نجد أن أهل العلم يختلفون في تطبيقها إذا نازعتها القاعدة التي بعدها وهي: (الأصل: توافق الضمائر في المرجع حذرا من التشتيت) فإذا وقع تنازع في عود الضمير على أقرب مذكور أو على أول مذكور لتتوافق الضمائر؛ نقول: تقدم القاعدة الثانية وهو توافق الضمائر في المرجع كما في قوله تعالى: ?لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً? [الفتح: 9] فالضمائر لله تعالى, والقول الآخر: لتؤمنوا بالله وبرسول الله وتعزروا رسول الله وتوقروا رسول الله وهذا مرجوح؛ لأن فيه تشتيتاً.

• قول السيوطي: (الخامس: التحقير، بمعنى انحطاط شأنه إلى حد لا يمكن أن يعرف نحو قوله: ? إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً? [الجاثية: 32] أي حقيراً لا يعبأ به وإلا لا تبعوه).

هذا يدخل ضمن بلاغة المعنى وهو ما وراء المعنى؛ لأننا حينما نفسر هذه الآية فإن المعنى الجملي واضح لكن بيان التنكير جاء بعد تمام المعنى.

• قول السيوطي: (قاعدة في الإفراد والجمع من ذلك السماء والأرض)

إذا كان المراد جهة العلو تأتي السماء مفردة, وإذا كان العدد مراداً يأتي الجمع وهو السموات, وذكر السموات على أن المراد به العدد لا يعني عدم العلو.

• قضية المشرق والمغرب وردت بالإفراد والتثنية والجمع, الإفراد باعتبار الجهة جهة المشرق وجهة المغرب, والتثنية باعتبار مشرقي الصيف والشتاء, والجمع باعتبار مشرق كل يوم ومغرب كل يوم.

• قول السيوطي: (قاعدة في الألفاظ التي يظن بها الترادف وليست منه).

هذه القاعدة التي ذكرها السيوطي مهمة لمن أن أراد أن يتعاطى التفسير؛ لأن معرفة الفروق اللغوية له أثر في فهم المعنى, ومن أكثر العلماء عناية بذلك: الراغب الأصفهاني في كتابه (المفردات) , وكان يود أن يضع كتاباً في الفروق اللغوية كما أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه هذا, فهل وضعه أم لا؟ الله أعلم؛ لأنه لا يوجد هذا الكتاب, وقد كتب أبو هلال العسكري كتابه (الفروق اللغوية) , وكذا ابن القيم أشار إلى فروق لغوية كثيرة, وأشار إلى أنه يحسن جمع هذه الفروق وجعلها من نفائس هذا العلم, وهناك كتب أخرى مثل: (الكليات) لأبي البقاء الكفوي, وكذالك الطاهر بن عاشور له عناية بهذا الجانب، وقد كتب فيه الدكتور محمد بن عبدالرحمن الشايع رسالة علمية، وهي مطبوعة في مكتبة العبيكان.

• قول السيوطي: (من ذلك (الخوف والخشية) لا يكاد اللغوي يفرق بينهما)

الخشية معها تعظيم وحبة, ولذا كل خشية خوف, وليس كل خوف خشية.

• قول السيوطي: (قاعدة في السؤال والجواب) ثم قال: (مثال ما عدل عنه قوله تعالى: ? يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ? [البقرة: 189] سألوا عن الهلال لِمَ يبدودقيقا مثل الخيط ثم يتزايد قليلاً قليلاً حتى يمتلئ ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا؟ , فأجيبوا ببيان حكمة ذلك تنبهاً على أن الأهم السؤال عن ذلك لا ما سألوا عنه، كذا قال السكاكي ومتابعوه, واسترسل التفتازاني في الكلام إلى أن قال: لأنهم ليسوا من يطلع على دقائق الهيئة بسهولة).

اعتراض السيوطي على فهم السكاكي وتفصيلات التفتازاني (ت 792هـ) في محله.

وأقول: إن قول التفتازاني فيه إشكال فيجب الحذر عند الكلام عن الصحابة, فهم رضي الله عنهم آمنوا بما هو أكبر؛ ولذا أبو بكر لما جاءه المشركون, وطمعوا في ردته, وقالوا: ألم تر ما يقوله صاحبك يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس, وعاد من ليلته, فقال: أو قد قال, قالوا: نعم, قال: إن كان قد قال فقد صدق؛ فإني أصدقه بخبر السماء فكيف لا أصدقه حين يذهب إلى بيت المقدس ويعود, فهذه العقول التي اختارها الله لصحبة نبيه, ولتكون قادرة على حمل وحيه وإيصاله للناس فكيف لا تكون قادرة على معرفة الأفلاك, وكذلك لدي نظر آخر وهو أن من يقول بذلك من الفضلاء كأن فيه اعتراضاً على قدر الله في اختيار هؤلاء ليكونوا محلاً لحمل رسالته كأنهم لم يستطيعوا معرفة هذه الأشياء, واستطعنا نحن المتاخرين.

ــــــــــــ

(1) أفضل ما كتبه المعاصرون في قواعد التفسير: كتاب القواعد الترجيحية للشيخ الدكتور حسين الحربي، وكتاب قواعد التفسير للشيخ الدكتور خالد السبت.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير