[تعليقات الشيخ مساعد الطيار على العام والخاص]
ـ[بدر الجبر]ــــــــ[07 Jun 2008, 11:56 ص]ـ
النوع الخامس والأربعون: في عامه وخاصه
* هذا النوع من البحوث اللطيفة التي تحتاج إلى استقراء في كلام المفسر خصوصاً تفسير السلف؛ لأنهم إذا حكموا أنه عام أريد به الخصوص, فهذا يدل أن عندهم أثراً نقلياً فيه, ومثاله: ? ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ? [البقرة: 199]، فقال بعضهم: إبراهيم عليه السلام , وعلى هذا فالأصل في لفظ الناس العموم، لكنه أريد به هنا واحدٌ منهم، وهو هذا النبي الكريم.
أما قراءة سعيد بن جبير: (أفاض الناسي) بالياء، وهي قراءة شاذة, فالمراد به آدم لقوله: ? وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً? [طه: 115]، وقد ورد تفسير القراءة المشهورة بأنَّ الناس آدم، وعلى هذا التفسير يكون من العام الذي أريد به الخصوص، وتشهد له قراءة سعيد ابن جبير.
ومن أمثلة العام الذي أريد به الخصوص، ما ورد في تفسير قوله تعالى: ?فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ? [آل عمران: 39] فقد فسر بعض السلف لفظ (الملائكة) بأنه جبريل, فهذا عام أريد به الخصوص.
* قول السيوطي: (العام على ثلاثة أقسام .... الثالث: العام المخصوص)
أغلب كلام العلماء ينطبق على هذا النوع, وهو الذي يرتبط بالأحكام كثيراً, وأغلب أمثلة السيوطي في آيات الأحكام, وإن كان أورد بعض الأمثلة في الأخبار مثل قوله: ?وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً? [الفرقان: 68] فهذا إخبار.
ومن المسائل المتعلقة بهذا هذا القسم، ولم يذكرها السيوطي رحمه الله:
1 ـ التعميم في الأسباب يكون في صورة السبب ولا يعمم إلا على من فعل السبب مثلا قصة اللعان حدثت لأحد الصحابة فيعمم في مسألة اللعان إلى من عمل هذا العمل.
2 ـ وأحياناً يكون اللفظ قابلاً أن يعمم إلى غير صورة السبب , ومثاله قوله: ?وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ? [البقرة: 195] سبب النزول كما عند الصحابة ترك النفقة في الجهاد، وهنا يجوز أن يعمم إلى كل من ألقى بنفسه إلى التهلكة؛ لذا نُدخل شارب الدخان ومتعاطي المخدرات في عموم هذه الآية.
3 ـ باب الاستشهاد، وفيه نوع من التعميم للفظ، وباب الاستشهاد واسع، ومن أمثلته ما فعله عليه الصلاة السلام عندما دخل على عليّ t وابنته فاطمة فقال: "ألا تصليان" فقال: أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فقال r: ? وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً? [الكهف: 54] فهذا على سبيل الاستشهاد.
4 تنزيل الآيات على الأحداث المعاصرة نوع من التعميم, فقوله: ?فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ? [الصف: 5] قال أبو أمامة: هم الخوارج, وسياقها كما هو معروف في اليهود, وأبو أمامة قاس ونزَّل الآية على الخوارج وهو من تعميم اللفظ.
* تعريف الخاص
من الملاحظ أن السيوطي لم يعرِّف الخاص, وإنما عرَّف العام, فإذا رجعنا إلى ما كتبه علماء الأصول وجدنا أن العام ضد الخاص, فالعام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر, والخاص يتناول واحدًا أو أكثر على سبيل الحصر.
وكذا لم يُعرِّف السيوطي التخصيص، والتخصيص: قصر لفظ العام على بعض أفراده لدليل متصل أو منفصل, وهو النوع الثالث عند السيوطي.
*تعقيب:
1 ـ الأصل في هذا المبحث أنه عقلي.
2 ـ والأصل أن له أثراً في فهم المعنى؛ ولذا هو من علوم التفسير وعلوم القرآن.
3 ـ وله علاقة ببعض علوم القرآن , فله تعلق ببعض الأحكام القرآنية, فموضوع أحكام القرآن يرتبط بالعام والخاص.
وله تعلق بعلم أصول الفقه؛ لأن مبحث العام والخاص من المباحث التي ناقشها الأصوليون وعقدوا لها أبوابًا خاصة في كتبهم.
*استدراك وتعقيب:
قد يقول قائل: هذا المبحث ليس من مباحث علوم القرآن وهذا مما يُستدرك على السيوطي وغيره فهو من مباحث أصول الفقه, ونقول: لا, بل هو مرتبط بالأحكام والأخبار, والتخصيصات التي وردت في الآيات التي بها عموم يتأثر بها المعنى فهي مرتبطة بالتفسير لكن الشبهة لمن قال هذا من جهة أن من ألف في أصول الفقه كان سابقاً لمن دوّن في علوم القرآن وكان مستوعباً فظن أنه من علوم القرآن, وننتبه لقاعدة وهي أن علوم القرآن على قسمين:
1. العلوم المنبثقة منه مثل، وضابطها أنها لا نوجد في سواه؛ كعلم عدّ الآي, وعلم المكي والمدني, فهي من علوم القرآن الخاصة به.
2. العلوم المشتركة وهي على قسمين:
أ. بالنظر إلى القرآن باعتباره نصاً شرعياً, وسيكون معه الحديث النبوي, وما ينشأ عنهما من هذا الاعتبار، والكتاب والسنة المرجع لعلماء الأصول والفقه، فكل ما فيهما من العلوم المشتركة؛ كالعام والخاص, والمطلق والمقيد, والناسخ والمنسوخ كتب فيهما علماء الأصول، وكانوا أسبق في الكتابة والتقعيد، لكن هذا لا يعني أن مثل هذه العلوم ليست من علوم القرآن.
ب. باعتباره نصاً عربياً فتدخل فيه علوم العربية من نحو وتصريف وبلاغة ودلالة الألفاظ على المعاني، فهذه العلوم نجدها في علوم القرآن وفي علوم العربية, لكن لما كان علماء العربية أسبق جاء علماء التفسير وقرروها واستفادوا منها.
وإن مما يُستدرك على السيوطي وغيره ـ غير ما أشرت إليه سابقًا ـ أنهم اعتمدوا ما كتبه علماء أصول الفقه فقط، ولم يكملوا مباحث هذا الموضوع المتعلقة بالتفسير؛ كأسلوب التمثيل للفظ العام في تفسيرات السلف، فلها ارتباط بعموم اللفظ، لذا نشأ عندنا قاعدة: (إن الأصل في تفسيرات السلف للفظ العام بأفراده أنها على سبيل التمثيل للفظ العام، ولا يحمل كلامهم على الخصوص إلا إذا ورد في سياق تفسيرهم ما يدل على إرادتهم للخصوص).
وإذا نظرت في تفسير السلف وجدت أن أسلوب التمثيل للفظ العام كثيرٌ جدًّا في التفسير، بل قد يكون أكثر من تخصيص اللفظ العام.
ومما يمكن أن يضاف في مباحث علوم العربية أنه ليس كل ما ثبت عربيةً يصلح حمل آيات القرآن عليه، لذا نقول كل ما في القرآن عربيٌّ، وليس كل عربيٍّ في القرآن، وعلى هذه القاعدة نفى بعضهم وجود التورية والمجاز في القرآن، وإن كانا ثابتين في اللغة.