تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مقال للتأمل: "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ"؟

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[29 Apr 2008, 12:17 م]ـ

هذا المقال ذكرني بكتاب الدكتور جيفري لانج (وهو أستاذ جامعي أمريكي أسلم في التسعينات)، بعنوان: "حتى الملائكة تسأل" ( Even Angels Ask) وهو مترجم للعربية ونشرته دار الفكر.

والموضوع يتطرق إلى تلك الآيات القرآنية التي أثارت فيّ (منذ سنوات طويلة) تساؤلات لم أجد لها جوابا يروي الغليل لحد الآن.

أسس العمران في مبدأ خلافة الإنسان .. "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ"؟

عبد الرحمن حللي

المصدر: موقع الملتقى الفكري للإبداع ( http://www.almultaka.net/ShowMaqal.php?module=1cde3d6b1c06016576871459898be cd6&cat=1&id=478&m=5894a194bfd452a4508d09e073e3ab49)

لم يكن ذكر القرآن لتساؤل الملائكة عن خلق الإنسان من قبيل مجرد السرد القصصي أو الإخبار التاريخي، إنما يحمل دلالة مهمة وأساسية بشأن مستقبل الإنسان في هذه الأرض، وقد مر معظم المفسرين على هذه الآيات دون البحث والتعمق في دلالة تساؤل الملائكة والإجابة الإلهية عليه، لاسيما وأن التساؤل ورد من عالم الملائكة غير المكلفين والذين سبقوا الإنسان في الوجود، ووظيفتهم التسبيح والتقديس لله، وقد حاورهم الله في خلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض فكان جوابهم التساؤل عن نتيجة متوقعة لديهم هي الإفساد في الأرض وسفك الدماء [1]، وهذا يعني أن لدى الملائكة معرفة مسبقة عن الإنسان والإفساد في الأرض، ولا يمكن فهم هذا التصور إلا في ضوء أحد احتمالين: أن يكون قد سبق للملائكة علم بوجود كائن سابق كانت هذه صفاته، أو أن علماً إلهياً كان لدى الملائكة بأن الأرض سيكون فيها الفساد وسفك الدماء، لكن الله ربط الأمر بعلمه باعتبار أن علم الملائكة لا يطال الغيب وأبطل تساؤلهم بتعليم آدم الأسماء الذي يمثل معطى جديداً جهله الملائكة.

* دلالة الإفساد في الأرض وسفك الدماء:

إن المعنى الذي يشتمل عليه تعبير الفساد في القرآن الكريم أعم من عدم الالتزام بالأحكام الشرعية والسلوك المستقيم، كما هو متبادر في أذهان الناس، فيغلب على استعمال مفردة الفساد اقترانها بالأرض، مما يدل على عموم وشمول ظاهرة الفساد وأنها قضية إنسانية عامة وليست قضية فردية، والحديث عن الأرض يعني الحديث عن نظام يعيش فيه الإنسان المستخلف، فالفساد عدوان على نظام الحياة وبراءتها وأصل خلقتها وقوانين سيرها، فالعدوان على البيئة إفساد في الأرض والتدخل في تغيير قوانين الأشياء ومعاكسة طبيعتها هو فساد أيضاً، وكل ما هو معاكس للنظام الذي خلقه الله للأشياء مادياً كان أو معنوياً إنما هو فساد في الأرض يمكن أن يحصل من الإنسان.

وأما سفك الدماء فدلالتها واضحة على أنها قمة العدوان على نظام القيم الذي يحكم الإنسان في عالم التكليف، فمن يرتكب عدواناً على حق الإنسان في الحياة والبقاء يرتكب ما هو أدنى من ذلك من عدوان على حقوق الإنسان، وبالتالي إخلال بأهم قيمة هي قيمة العدل، فالتعبير بسفك الدماء هو رمز ونموذج لما هو أعم وهو العدوان على منظومة القيم في حياة الإنسان، فإذا لاحظنا أن الفساد عبث بالبيئة والنظام الطبيعي، وسفك الدماء عبث بحقوق الإنسان والنظام القيمي، علمنا خطورتهما من بين المنكرات حتى قدمتا على الكفر وجعلتا مقابل التسبيح لله وتقديسه.

* دلالة ذكر تساؤل الملائكة:

إن تساؤل الملائكة هو استغراب من كفاءة مخلوق مستعد لأن يعتدي على نظام الطبيعة والقيم ثم يصلح لأن يكون خليفة في الأرض، وهذا يعني أن أهم عناصر فشل الإنسان في خلافة الأرض وتحمل الأمانة، هو الفساد وسفك الدماء، وبالتالي فإن ما يعصم الإنسان منهما هو مفتاح النجاح في عمران الأرض واستمرارها، ولئن كان الجواب الإلهي للملائكة يتضمن إقراراً غير مباشر باحتمال حصول ذلك من الإنسان، فإن الجواب بيَّن معطى جهلته الملائكة وهو تعليم الأسماء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير