تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اخترت لكم هذا المقال: في بلاغة القرآن ...]

ـ[أحمد بن موسى]ــــــــ[30 Apr 2008, 10:33 ص]ـ

في بلاغة القرآن

رأي جديد في بعض مناحيها

(1 - 3)

بقلم العلامة الأديب اللغوي / .....

يطيب لنفسي أن أتعمد مأدبة الله كلما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فألتهم من طعامها الشائق، واحتسي من شرابها الرائق، ما أعتقد أن فيه غذاء لروحي الساغبة وريا، وما أكاد أن أنفتل عنها حتى أحس برغبة جامحة في العودة، فأعود الكرة ابتغاء الافترار وإزالة العطاش، ولكن هيهات، فكلما ازددت منها ازددت شوقاً إليها، وحرصاً عليها:

إذا ازددت منها زاد وجدي بقربها

فكيف احتراسي من هوى متجدد

هيهات هيهات أن تقنع روحي من مأدبة الله، وطعامها شفاء للنفس، وشرابها طهور للحس، وغشيانها جلاء للقلب وصقال للضمير. كيف أقنع من القرآن مأدبة الله، كما سماه رسول لله فكانت تسمية فذة بارعة، أصاب بها عليه السلام شواكل المراد، وطبق مفاصل السداد، بإيجاز وإعجاز لم نر لهما ضريباً إلا في القرآن الكريم. والقرآن كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، وفضله على سائر الكلام " معروف غير مجهول، وظاهر غير خفي، يشهد بذلك عجز المتعاطين، ووهن المتكلفين، وتحير الكاذبين، وهو المبلغ الذي لا يمل، الجديد الذي لا يخلق، والحق الصادع، والنور الساطع، والماحي لظلم الضلال، ولسان الصدق النافي للكذب، ونذير قدمته الرحمة قبل الهلاك، وناعي الدنيا المنقولة، وبشير الآخرة المخلدة، ومفتاح الخير، ودليل الجنة، إن أوجز كان كافياً، وإن أكثر كان مذكراً، وإن أومئ كان مقنعاً، وإن أطال كان مفهماً، وإن أمر فناصحاً، وإن حكم فعادلاً، وإن أخبر فصادقاً، وإن بين فشافياً، سهل على الفهم، صعب على المتعاطي، قريب المأخذ، بعيد المرام ".

لا تستسفه النظرة الأولى، وقد تكون الثانية مبعث توهيم، وإذا ما هجس التوهيم في نفس، لا يقر لها قرار أو تكون على بينة من أمره، فتبحث وتنقب ما وسعها البحث والتنقيب، وترهف الذهن وتحد الخاطر، ولا تزال تدير الرأي، وتجيل عيون الفرض لتعلم سر توهمها، ولاسيما إذا كان هذا التوهيم في كتاب أحكمت آياته وأعجزت، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكثيراً ما نظرتُ في آيات منه فتوهمتُ، فبحثت فأسفر البحث عن حقائق تجعل القلب خاشعاً متصدعاً من خشية الله، مؤمناً إيماناً قوياً صادقاً لم تشبه شائبة من شوائب التقليد بأنه معجز حقاً، تتعاقب عليه الأيام، وتتعاور الأفهام، فما تزيده الأيام إلا جدة ونضارة، وتنحسر عنه العقول ظالعة حسيرة وما تنفد كلماته، ولا تفرع أسرار بلاغتها (قل لو كان البحر مداداً كلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا).

من تلك الآيات التي نظرت فيها فتوهمت، قوله تعالى: (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)، فلقد خيل إلي أنه لو قيل: " لا تجوع ولا تظمأ، ولا تضحى ولا تعرى " لكان ذلك جارياً على ما تقتضيه البلاغة من الملاءمة بين الأشباه والنظائر، ولكنها لم تجئ كذلك فلابد لهذا من سر بل من أسرار، لأن الكلمة في القرآن ليست كما تكون في غيره " بل السمو فيها على الكلام أنها تحمل معنى، وتومئ إلى معنى، وتستتبع معنى، وهذا ما ليس في طاقة البشرية، وهو الدليل على أنه كتاب أحكمت آياته ثم فصلت ". فما سر مجيئها هكذا؟

نظرت في كتب التفسير التي بين يدي، وهي الكشاف والطبري والنسفي والجلالين والبحر المحيط، فما ألفيت كتاباً منها حاول أن يكشف عن سر نظم الآية بيد أني وجدت فيما كتبه الصاوي على الجلالين كلاماً ليس له ضحى، فهو يقول: " قابل بين الجوع والعرى، والظمأ والضحو، وإن كان الجوع يقابل بالعطش، والعرى يقابل الضحو، لأن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر، والظمأ حر الباطن والضحو حر الظاهر، فنفى عن ساكن الجنة ذل الظاهر والباطن، وحر الظاهر الباطن ". ووجدت ابن المنير يقول في كتاب الانتصاف: " والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم وتصنيفها، ولو قرن كلاً بشكله لتوهم أن المعدودات نعمة واحدة، على أن في الآية سراً زائداً على ذلك وهو قصد تناسب الفواصل، ولو قرن الظمأ بالجوع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير