[من روائع الكتاب العزيز]
ـ[أبو باسم]ــــــــ[18 Jun 2008, 01:29 م]ـ
بلغ العرب حين نزول القرآن مبلغا من الفصاحة لم يعرف في تاريخهم من قبل. إلا أن القرآن قد ملك سر هذه الفصاحة, وجاءهم منها بما لا قبل لهم برده ولا حيلة لهم معه, فاستبد بإرادتهم، وغلب على طباعهم, وحال بينهم وبين ما نزعوا إليه من خلافه حتى انعقدت قلوبهم عليه وهم يجهدون في نقضها, واستقاموا لدعوته وهم يبالغون في رفضها.
فلو أن هذا القرآن غير فصيح، أو كانت فصاحته غير معجزة في أساليبها التي ألقيت إليهم لما نال منهم على الدهر منالا, ولنقضوه آية آية وكلمة كلمة. ولكنه أعجزهم بحقائقه وأثره, وبألفاظه وبيانه ......
وهذا شيء من الإعجاز اللفظي للقرآن الكريم ليدرك المرء كلما تأمل كتاب ربه اكتشف درراً وكنوزاً لا تفنى, وعجائب لاتبلى. فيزداد بذلك إيمانه, ويرسخ يقينه, وتنجلي عن نفسه أتعابه وهمومه.
تأمل هذه الآيات لترى بعضا من ذلك:
قال تعالى: ((قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)) هود/62
وقال تعالى: ((أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)) إبراهيم/9
قال في التحرير والتنوير:
وجملة (وإننا لفي شك) معطوفة على جملة (يا صالح قد كنت فينا مرجوا) فبعد أن ذكروا يأسهم من صلاح حاله ذكروا أنهم يشكون في صدق أنه مرسل إليهم وزادوا ذلك تأكيدا بحرف التأكيد. ومن محاسن النكت هنا إثبات نون (إن) مع نون ضمير الجمع لأن ذلك زيادة إظهار لحرف التوكيد والإظهار ضرب من التحقيق بخلاف ما في سورة إبراهيم من قول الأمم لرسلهم (وإنا لفي شك مما تدعوننا) لأن الحكاية فيها عن أمم مختلفة في درجات التكذيب ولأن ما في هاته الآية خطاب واحد فكان (تدعونا) بنون واحدة هي نون المتكلم ومعه غيره فلم يقع في الجملة أكثر من ثلاث نونات بخلاف ما في سورة إبراهيم لأن الحكاية هنالك عن جمع من الرسل في (تدعوننا) فلو جاء (إننا) لاجتمع أربع نونات
وحذفت إحدى النونين من قوله (إنا) تخفيفا تجنبا للثقل الناشئ من وقوع نونين آخرين بعد في قوله (تدعوننا) اللازم ذكرهما بخلاف آية سورة هود (وإننا لفي شك مما تدعونا) إذ لم يكن موجب للتخفيف لأن المخاطب فيها بقوله (تدعونا) واحد.
... ***
قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا)) البقرة/126
وقال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا)) إبراهيم/35
قال ابن كثير: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} أي: اجعل هذه البقعة بلدًا آمنًا، وناسب هذا؛ لأنه قبل بناء الكعبة حين ذهب بإسماعيل وأمه وهو رضيع إلى مكان مكة،. وقال تعالى في سورة إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَد آمِنًا}: فعرفه، كأنه وقع دعاء ثانًيا بعد بناء البيت واستقرار أهله به، وبعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سنًّا من إسماعيل بثلاث عشرة سنة؛ ولهذا قال في آخر الدعاء: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}.
... ***
قال الله تعالى: ((وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)) البقرة/49
وقال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)) إبراهيم/6
¥