تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مسائل في المجاز (14) نقض استشهادهم بقول الله: ((واشتعل الرأس شيباً)) ...

ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[29 May 2008, 07:07 م]ـ

قول الله تعالى: ((واشتعل الرأس شيباً)) ..

وتلك الآية هي الثالثة من الآيات التي ذكرها ابن المعتز , والاستعارة فيها عنده هي أن كلمة اشتعل استعيرت لشيءٍ لم يعرف بها , وهو الشيب , من شيء قد عرف بها و وهو النار , والشيب لا يشتعل بزعمه , وهي عند أبي عبد الله البصري المعتزلي ومن تبعه مجاز , يقولون: إن لفظ اشتعل وضع في أصل اللغة للنار , فهو حقيقة في النار , مجاز في غيرها , وهو يدل على أن النار من غير قرينةٍ , ولا يدل على غيرها إلا بقرينة بزعمهم.

والصواب في كل ذلك والله أعلم: أن الاشتعال في لسان العرب قوم النبي صلى الله عليه وسلم وبه نزل القرآن=هو أن يتفرق الشئ في الشئ وينتشر فيه ويعمه ....

قلت: روى البخاري وغيره عن ابي هريرة , أن عبداً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: مدعم , جاءه سهم غائر فقتله , فقال الناس: هنيئاً له الشهادة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بلى والذي نفسي بيده , إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً)) الحديث.

وقال البخاري في كتاب صلاة الخوف من ((صحيحه)) , باب: الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو , وقال أنس: حضرت عند مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر , واشتد اشتعال القتال , فلم يقدروا على الصلاة , فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار , فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا , قال أنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها.ا هـ

وقال ابن حجر في ((فتح الباري)): قوله: اشتعال القتال بالعين المهملة., وروى الإمام أحمد

والطبري في ((تاريخه)) حديثاً في ذكر طاعون عمواس , وفيه: لما اشتعل الوجع , وفيه: إن هذا الوجع إذا وقع , فإنما يشتعل اشتعال النار , وإسناده لا يحتج به.,

وقال الأزهري: قال أبو عبيد عن الأصمعي وأبي عمرو , قالا: الغارة المشتعلة المتفرقة , وقد أشعلت , إذا تفرقت , قال: ويقال أشعلت القربة والمزادة , إذا سال ماؤها , وقال: أشعل فلان إبله., إذا عمها بالهناء , ولم يطل النقب من الجرب دون غيرها من بدن البعير الأجرب ,

ويقال: أشعلت جمعهم , أي فرقته , وقال أبو وجزة:

فعاد زمان بعد ذاك مفرق ......... وأشغل ولي من نوى كل مشعل

قال: وأشعلت الطعنة , إذا خرج دمها , وأشعلت العين: كثر دمعها , وقال ابن السكيت: جاء جيش كالجراد المشعل , وهو الذي يخرج في كل وجه , وكتيبة مشعلة , إذا انتشرت , وأشعلت الطعنة , إذا خرج دمها متفرقاً , وجاء كالحريق المشعل: بفتح العين .. ا هـ , كذلك هو في ((تهذيب اللغة)): كتيبة مشعلة إذا انتشرت ,

وفي ((تهذيب الألفاظ)) باب: الكتائب , والشعواء المنتشرة يقال: كتيبة شعواء , وشجرة شعواء , والمشعلة المتفرقة , قال أبو كبير ووصف طعنة:

مستنة سنن الفلو مرشة تنفي التراب بقاحز معروف

يهدي السباع لها مرش جدية شعواء مشعلة كجر القرطف .. ا هـ

وكل ذلك يدل على أن اشتعل يعم النار وغيرها , ولا يخص النار وحدها , وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الشملة لتشتعل عليه ناراً)) حجة بينة على أن اشتعل ليس خاصاً بالنار , ولا معروفاً فيها وحدها , ولو كان خاصاً بها لكفى أن يقال: لتشتعل عليه , أو لتشتعل عليه اشتعالاً , ولم يحتج إلى أن يبين ذلك الاشتعال ما هو , وأنها تشتعل ناراً , وليس شيئاً غيرها ,والتأسيس أولى من التأكيد ...

واختلف النحاة لم نصب ((شيباً)) في تلك الآية: فقال الأخفش في ((معاني القرآن)) , وقال: شيباً لأنه مصدر في المعنى , كأنه حين قال اشتعل قال: شاب فقال: شيباً على المصدر , وليس هو مثل تفقأت شحماً , وامتلأت ماءً , لأن ذلك ليس بمصدر. ا هـ., ونقله عنه الطبري في ((تفسيره)) , ثم قال: وقال غيره نصب الشيب على التفسير , لأنه يقال اشتعل شيب رأسي , واشتعل رأسي شيباً , كما يقال تفقأت شحماً , وتفقأ شحمي .. ا هـ , وقال أبو اسحاق الزجاج في ((معاني القرآن وإعرابه)) , وشيباً منصوب على التمييز , المعنى اشتعل الرأس من الشيب , يقال للشيب إذا كثر جداً

قد اشتعل رأس فلان .. ا هـ , وذكر ابن النحاس في ((إعراب القرآن)) قول الأخفش , وقول أبي إسحاق , ثم قال: وقول الأخفش أولى لأنه مشتق من فعل والمصدر أولى به .. ا هـ , وقال الأزهري في ((تهذيب اللغة)) ونصب شيئاً على التفسير , وإن شئت جعلته مصدراً وكذلك قال حذاق النحويين .. ا هـ , وقول الأخفش إنه مصدر , كأنه قال شاب شيباً , خطأ , ولو كان شاب شيباً , كما زعم لدل على أنه شاب شيباً ما أي شيب قل أو كثر , ولجاز أن يقال: شاب شيبا قليلاً أو كثيراً , وأن يسأل حينئذ: أكان شيبه قليلاً أم كثيراً؟

والصواب – إن شاء الله – أنه نصب على التمييز , كما قال أبو إسحاق الزجاج , وهو التفسير في اصطلاح بعض النحاة , فإن اشتعل عام يدل على أن شيئاً ما عم رأسه وتفرق في نواحيه , فاحتاج إلى ما يفسره ويميزه ويبين ما هو ذلك الشيء الذي عمه , فجاء شيباً ليبين أن الشيب هو الذي عم رأسه وتفرق في كل ناحية منه, والله أعلم.

وإذا كانت العرب يقولون اشتعل للنار وغيرها , فلا ندري بأي ذلك تكلموا أولاً , ولا سبيل إلى العلم به , ولا يذكر اشتعل في كلامهم إلا وفي كلام المتكلم أو أنبائه ما يبين ما أراد به , سواء أراد النار أم غيرها , فقولهم: إن اشتعل كان يعرف في النار دون غيرها , وإنه وضع في أصل اللغة للنار , فهو يدل عليها من غير قرينة , ولا يدل على غيرها إلا بقرينة , كله زعم باطل لا حجة له.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير