[تدبر في التدبر]
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[23 Jun 2008, 04:51 م]ـ
كنت استفدت واستمتعت بحضور اللقاء العلمي الأول الذي أقامه مركز تدبر حول: مفهوم التدبر, والذي سبق عرضه في هذا الموضوع ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=12082), غير أن الدعوة المتأخرة للحضور, وضيق مجال العرض والمناقشة في اللقاء أخرا هذه الوقفة, والتي أرجو بعرضها تتميم ما حرره الإخوة حول هذا المفهوم, وتأليف عدد من الآراء حوله والتي لا تخالف بينها على الحقيقة.
- مفهوم التدبر:
هو: التأمل في معاني الآيات التفسيرية والاستنباطية بقصد معرفة الحق فيها, والانتفاع به علماً وعملاً.
وفهم هذا المعنى يتوقف على بيان جوانب منه: فالتفسير هو المعنى المباشر للفظ, والاستنباط هو المعاني التالية والتابعة للمعنى المباشر والمتعلقة به بنوع علاقة, وهذه الاستنباطات بطبيعتها متفاوتة في القرب والبعد والوضوح والخفاء.
فنظر المتدبر في المعنى المباشر للآية أو المعاني التابعة, بقصد التأثر بها وإصابة الحق في فهم المراد منها, ومن ثم العمل بهذا الحق واعتقاده = هو معنى تدبر القرآن المأمور به في القرآن, واستعراض الآيات القرآنية الآمرة بالتدبر يوصل إلى هذا المعنى, وهي على الترتيب:
- {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء 82] , ويلاحظ هنا غاية التدبر, وهي الوصول إلى ما تضمنه القرآن من الحق الذي لا اختلاف فيه. كما أن في الآية إشارةً ظاهرةً إلى سبيل إزالة الاختلاف الموهوم في القرآن, وهو: تدبر القرآن. فإذا حصل التدبر لم يجد الناظر في القرآن اختلافٌ ألبتَّة.
- {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون 68] , والمراد بالقول: القرآن الكريم؛ ففي السياق قبلها: {قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون, مستكبرين به سامرا تهجرون} [66 - 67] , فبينت الآية سبب إعراضهم عن الانتفاع بالقرآن والإيمان والاهتداء به؛ وهو أنه ليس على ما يهوون مما يوافق ما عليه آبائهم الأولين, فأعرضوا عنه. أو يكون المعنى: أن ما جاءهم هو ما جاء آباءهم قبلهم من الأمم السابقين, ففيم تعرضون وقد جاءكم ما جاءهم؟ وما كان محمد صلى الله عليه وسلم بدعاً من الرسل.
- {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص 29] , يلاحظ في الآية أمران:
الأول: أن الغاية العظمى من إنزال القرآن: تدبر آياته من جميع البشر, ثم الاهتداء بها والتذكر بما فيها من الحق من أصحاب العقول الراجحة الذين ينتفعون بما يعقلون. فالتدبر مأمورٌ به كلّ عاقل, ثم يبلغ غاية التدبر منهم من نفعه عقله واهتدى بعلمه.
وهذه الآية أجلى دليل على أن الغاية من التدبر العلم والعمل؛ وذلك أن هذان الأمران هما غاية دعوة الأنبياء كما دلت عليه كثير من الآيات القرآنية (*) , ويقابل ذلك تحديد غاية إنزال القرآن هنا بالتدبر والتذكر, فبأخذ النتيجتين من تلكما المقدمتين يتقرر: أن المراد من التدبر الذي أنزل لأجله القرآن = العلم والإيمان, والتأثر والعمل.
الثاني: وصف القرآن بـ (المبارك) في سياق الأمر بالتدبر فيه, وبهذه الصيغة الدالة على الثبات واللزوم = فيه دلالة - غاية في الظهور - على أن وجوه تدبره والانتفاع به لا نهاية لها, إذ لا حد لبركة القرآن في الانتفاع به وكثرة معانيه ومجالات التأثر به؛ فإنها بعدد كل عاقل يقرأه أو يسمعه.
- {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد 24] , ماذا بقي ليقال عن هذه الآية؟! وقد أبرزت أعظم سبب يمنع من غاية التدبر ومنتهى المراد منه (التأثر والعمل) , وهو: انغلاق القلوب عن سماع الحق ورؤيته, والتأثر به وأخذه.
ومن خلال هذا المفهوم السابق بيانه, يتحدد موضوع التدبر, وهو: المعاني التفسيرية والاستنباطية للآيات القرآنية.
¥