[الاتجاه الهرمنيوطيقي و أثره في الدراسات القرآنية: الأستاذ الدكتور عبد الرحيم بودلال]
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[20 Apr 2008, 02:50 م]ـ
الاتجاه الهرمنيوطيقي وأثره في الدراسات القرآنية.
الأستاذ الدكتور عبد الرحيم بودلال، كلية الآداب وجدة، المغرب.
(ساهم به في ملتقى فكيك الثالث حول القراءات الجديدة للقرآن الكريم 1428 هـ / 2007 م).
تعريف الاتجاه الهرمنيوطيقي:
هو اتجاه فلسفي وجودي تحليلي نشأ في أحضان اللاهوت المسيحي، لتفسير النص الديني المسيحي، خصوصا بعد أن طرحت مجموعة من القضايا المشكلة المتعلق بالإنجيل، على المتعاطي للتفسير المسيحي من غير الكنسيين أو الإكليروس:
هذه المشكلات تلخص في:
- تثبيت الإنجيل المنقول شفويا عن طريق الكتابة
- تعريف العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد
- التباعد اللغوي بين العهد القديم والعهد الجديد
- التباعد اللغوي بين الكلمة في أصل وضعها والاستعمال الجديد
- الاعتقاد بوجود معنى خفي وراء المعنى السطحي
- انعدام الثقة في القراءة الوحيدة للإنجيل
هذه العوامل أدت إلى ظهور هذا الاتجاه في الفهم والتفسير. الإصلاح الديني وانتشار الفكر البروتستانتي، وقد أدت إلى ضعف العلاقة بكنيسة روما، وبذلك شعروا بحاجة ملحة لمنهج يتضمن قواعد معينة لتفسر الكتاب المقدس، وأول كتاب ألف في هذا المجال اسمه (الهرمنيوطيقا) ومؤلفه (دان هاور) طبع عام 1654م ذكر فيه مناهج وقواعد لتفسير الكتاب المقدس.
وقد كانت ثورة مارتن لوثر على رجال الكنيسة وفتح المجال أمام تعدد القراءة، وعدم حصرها على رجال الكنيسة أمام اتساع هذا الاتجاه، بل أدت هذه الثورة إلى انتقال التحليل الهرمنيوطيقي من مجال اللاهوت إلى كافة العلوم الإنسانية.
وتعتبر نهاية القرن العشرين فترة ازدهار بالنسبة لهذا الاتجاه، لما أتاحه من إمكانيات لقراءة التراث الإنساني عموما.
وقد حاول بعض الدارسين ربط هذا الاتجاه بالفكر اليوناني، الذي عرف أن عملية تفهيم التعاليم الدينية لم تكن بالأمر الميسر للناس، لذلك كان اللجوء إلى الواسطة المعروفة بهرمس، حيث كان هرمس هو الناقل أو الوسيط بين معاني الآلهة والناس؛ يقول احمد واعظي:" ينسب اليونانيون اكتشاف اللغة والخط إلى "هرمس"، وهما أداتا نقل المعاني للآخرين. وقد كانت عملية التفهيم هي مهمة "هرمس" الأساسية، ولعنصر اللغة دور أساس في هذه العملية بالطبع. كان "هرمس" جسراً يفسر ويشرح رسالات الآلهة, وذلك بتحوير ماهيتها ومضامينها (التي كانت فوق مستوى الفهم البشري)، من أجل تفهيمها للناس وجعلها ممكنة الإدراك من قبلهم" ومنه أخذ الاسم، وأصبحت عملية الفهم تتم بهذا الشكل، ومع ظهور ما عرف بعملية الإصلاح الديني، سيحاول هؤلاء تحويل المسألة إلى اتجاه في الفهم.
وبدأ هذا الاتجاه رومنسيا، يعتمد اللغة والمعاني النفسية بشكل متكامل، وكان هذا في القرن السابع عشر الميلادي، ومع تطور المجتمع الغربي وازدياد حيرته حول الوصول إلى ما يعرف عندهم بالحقيقية عن طريق تلمس معاني الأشياء، سيتسع مجال هذا الاتجاه؛ خصوصا وأن العقل نفسه قد عجز عن الوصل إلى المعنى المعبر عن الحقيقة، هذا العقل الذي ظل الغرب زمنا ينظر إليه المخلص الوحيد من كل الأزمات بما فيها النفسية والسلوكية والعقدية، هو نفسه أصبح محط تساؤل، لأن نتيجته كانت حربين عالميتين خلقتا أزمة فكرية وخلقية ونفسية عاشها ويعيشها المجتمع الغربي، يقول شوقي الزين "لكن القسط الأكبر من أفول المعنى بتشظي الذات وحلول الخطاب يتراءى في هذه الصدمة اللاحقة لسنة 1945 واكتشاف الغرب لفظاعته، ووحشيته، عندما أماط اللثام عن جرائم إنسانية إبان الحرب العالمية الثانية". هذا الوضع أثر بشكل سلبي على الوضع الأوروبي، مما جعل هذا الوعي الأوروبي يشكك بشكل جلي في مكتسباته المعرفية، العقلية ويجنح بشكل واسع وجلي نحو ما عرف بالوجودية والفينومينولوجيا، المشككة بشكل أساس في التكافؤ الحاصل بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. فالإنسانيات ميدانها الذات الفلسفية، والطبيعيات ميدانها العقل المادي الطبيعي.
إن الوجودية الفلسفية رفضت الموضوعية ولم تعترف بوجود ذات وموضوع، بل كل شيء راجع إلى تجلي الموضوع للذات في علاقة إدراكية تأويلية.
¥