وكلها تفتح أبواب معرفة عظيمة تبين مكانة القرآن الكريم، ودقته في اختيار الألفاظ واستعمالها، فعظمته لا مثيل لها، ولن يكون له مثيل عند الناس؛ لأنه ممن علم الناس الكلام والبيان، سبحانه وتعالى.
والله تعالى أعلم.
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[30 Mar 2008, 08:42 ص]ـ
أنا أستغرب استشكال بعض أهل العلم لتذكير لفظ (قريب) في قوله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) حتى ذكر ابن القيم في هذه المسألة عشرة أقوال
وقال الشنقيطي: للعلماء فيها أقوال تزيد على العشرة
والخلاصة المرضية أن القرب قربان:
1: قرب القرابة والنسب، وهذا يتبع الموصوف في التذكير والتأنيث، بلا خلاف عند أهل اللغة، تقول: فلان قريب مني، وفلانة قريبة مني.
ومنه قول الشاعر:
فتى لم تلده بنت عم قريبة = فيضوى وقد يضوى رديد القرائب
والقرب الثاني: قرب المسافة والمكانة والزمن
فهذا يجوز فيه التذكير المطلق والإتباع
ومن الأول: قوله تعالى: (وما يدريك لعل الساعة قريب)
وقول امرئ القيس:
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم = قريب ولا البسباسة ابنة يشكراولفظ (بعيد) نظير (قريب) في هذا الحكم
وقد قال تعالى: (وما هي من الظالمين ببعيد) وقال: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد)
ومن الثاني: قول عروة بن حزام العذري:
عشية لا عفراء منك قريبة = فتدنو ولا عفراء منك بعيد
وقول الفرزدق وهو من فاحش قوله، وإنما أوردته للشاهد اللغوي:
دَعَوْتُ الذي سَوّى السماءَ بِأَيْدِهِ، = وَلَلَّهُ أَدْنَى مِنْ وَرِيدِي وَأَلْطَفُ
لَيَشغَلَ عَنّي بَعْلَها، بِزَمَانَةٍ = تَدَلّهُهُ عَنّي، وَعَنْهَا، فَتُسْعِفُ
بِمَا في فُؤَادَينا من الشَوْقِ والهَوَى = فَيجْبُرُ مُنْهَاضُ الفُؤادِ المشقَّفُ
فَأَرْسَلَ في عَيْنَيْهِ ماءً عَلاَهُما = وَقَدْ عَلِموا أني أَطبُّ وَأَعْرَفُ
فَدَاوَيْتُهُ حَوْلَينِ، وَهِي قَرِيبَةٌ = أَرَاها، وَتَدْنُو لي مِراراً، فَأَرْشُفُ
قال أبو منصور الأزهري: (قال الفراء: العرب إذا قالت: دارك منا بعيدٌ أو قريبٌ، أو قالوا: فلانة منا قريب أو بعيد ذكروا القريب والبعيد؛ لأن المعنى هي في مكان قريب أو بعيد، فجعل القريب والبعيد خافاً من المكان.
قال الله جلّ وعزّ: (وما هي من الظالمين ببعيد) وقال: (وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً)
وقال: (إن رحمة الله قريبُ من المحسنين)
قال: ولو أنثتا وبنيتا على بعدت منك فهي بعيدة، وقربت فهي قريبة كان صواباً.
قال: ومن قال قريبٌ وبعيدٌ وذكرهما لم يثن قريباً وبعيداً، فقال: هما منك قريبٌ وهما منك بعيدٌ.
قال: ومن أنثهما فقال: هي منك قريبة وبعيدة ثنَّي وجمع فقال: قريبات وبعيدات.
وأنشد:
عشيَّةَ لاعفراء منك قريبة = فتدنو ولاعفراء منك بعيد قال: وإذا أردت بالقريب والبعيد قرابة النسب أنثت لاغير، لم يختلف العرب فيها).
ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[30 Mar 2008, 08:50 ص]ـ
وللفائدة أسوق مختصر كلام ابن القيم كما اختصره الموصلي في مختصر الصواعق المرسلة، وقد أوصل الأقوال في هذه المسألة إلى عشرة أقوال:
قال رحمه الله: (قالَ تَعَالَى: (إن رحمة الله قريب من الحسنين)، ولم يَقُلْ: قَرِيبةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الخبرُ عنها مُذَكَّراً:
• إمَّا لأنَّ “ فَعِيلاً “ بينَهُ وبينَ “ فَعُولٍ “ اشْتِرَاكٌ منْ وُجُوهٍ: منها الوزنُ والعددُ والزيادةُ والمبالغةُ، وكونُ كلٍّ منهما يَكُونُ مَعْدُولاً عنْ فاعلٍ تارةً، وعنْ مفعولٍ أُخْرَى، وَمَجِيئُهُمَا صِفَتَيْنِ وَاسْمَيْنِ، و “ فعولٌ “ إذا كانَ مَعْدُولاً عنْ فاعلٍ اسْتَوَى مُذَكَّرُهُ ومُؤَنَّثُهُ في عدمِ إِلْحَاقِ التاءِ؛ كامرأةٍ نَؤُومٍ وَضَحُوكٍ، فَحَمَلُوا فَعِيلاً عليهِ في بعضِ المواضعِ لعقدِ الأُخُوَّةِ التي بَيْنَهُمَا.
• وإمَّا لأنَّ قريباً مَعْدُولٌ عنْ مفعولٍ في المعنَى، كَأَنَّهَا قُرِّبَتْ منهم وَأُدْنِيَتْ، وهمْ يُرَاعُونَ اللفظَ تارةً والمعنى أُخْرَى ...
• وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ يكونُ “ قريبٌ “ خبراً عنهُ، تقديرُهُ: مكانُ رحمةِ اللَّهِ أوْ تَنَاوُلُهَا ونحوُ ذلكَ قريبٌ.
• وإمَّا على تقديرِ مَوْصُوفٍ محذوفٍ يكونُ “ قريبٌ “ صفةً لهُ، تقديرُهُ: أَمْرٌ أوْ شيءٌ قريبٌ؛ كقولِ الشاعرِ:
قَامَتْ تُبَكَّيهِ على قَبْرِهِ = مَنْ لِيَ مِنْ بَعْدِكَ يا عَامِرُ
¥