تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهكذا فإن تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بمحمد جاءت من "حَمْدٍ" قد عُرف بعد مجيء صاحبه، وإذا انتهى على هذه الصفة من "الحمد" فسيظل حمده مستمرًا ... واسمعه عليه الصلاة والسلام على وزن؛ مُبَجَّل، ومُعَظَّم، ومُوَقَّر، ...... ، دالا على كثرة الحامدين له، ولا يخفى على أحد من أهل العلم في الأرض أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو أكثر إنسان يذكر يوميًا في الأرض، وأنه على رأس قائمة المعظمين في التاريخ، ويصلي ويسلم عليه مئات الملايين في صلواتهم الخمس، وفي مجالسهم، وعند ذكر اسمه، فلا أحد له من التعظيم، والتبجيل، والتوقير في الأرض ما للرسول صلى الله عليه وسلم، .. فلما كان حمده بعد الوجود، واستمر وعظم بعد الانقطاع عن الدنيا، فحمده كان من بضع مئات الآلاف في حياته وقبل موته، إلى مئات الملايين بعد وفاته، يدرك المرء لِمَ لَمْ يتردد اسم محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن كثيرًا.

أما تسمية عيسى عليه السلام لـ "محمد" صلى الله عليه وسلم في بشراه بـ"أحمد" فلأسباب عدة منها:

أولاً: أن التبشير بمحمد كان من جميع من سبقه من الأنبياء، فهو مذكور في التوراة، ومذكور في الإنجيل، وآمن على هذه البشرى خلق كثير من أهل الكتاب .... ثم اختفت هذه النصوص بعد ذلك منها، أو من ترجماتها، لئلا تظل هذه النصوص حجة على من بقي منهم على مذهبه، ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولكنْ هناك بعض النصوص التي سلمت واستطاع بعض العلماء أن يستخرجوا منها الأدلة المشيرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ... فلما كان هو واحدًا من الأنبياء والرسل، وخاتمهم فالتبشير به يبين منزلته وفضله عليهم، والفضل كله من الله له ولهم.

وثانيًا: أن لفظ "أحمد" جاء على صيغة التفضيل "أفعل" أي أفضل وأحسن ... أي أنه أفضل من كل الأنبياء السابقين له، فلما كان هو خاتمهم، وأفضلهم، فلن يأتيَ الله عز وجل بعده بنبي مرسل هو دونه في الفضل ... لقد أتى الله بأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى عليهم السلام، وكانوا دونه في الفضل، - الفضل زيادة تعطى لأحد فوق ما أعطي أمثاله، والله فضل بعض النبيين على بعض- لأنهم أتباع للتوراة، هم دعاة لها، ومصححون لتحريف بني إسرائيل لها، وخروجهم عن الشرع الذي شرع لهم فيها، أما القرآن الكريم فهو محفوظ من الله تعالى، وما فيه يغني عن بعث الرسل، وتجديد الدين بهم، ولو كان هناك رسول سيبعثه الله بعد محمد صلى الله عليه وسلم لبشر به، ولوجب أن يكون أكثر منه حمدًا، وينزل عليه كتابًا أعظم من القرآن .... فكيف إذا صرح في القرآن بكل وضوح أنه خاتم النبيين، وتصريحه صلى الله عليه وسلم أنه لا نبي بعده.

وثالثًا: أن وصف عيسى لمحمد عليهما الصلاة السلام بـ"أحمد" موجه لبني إسرائيل الذين أرسل إليهم، ولكل من آمن به أن يؤمن به، لأنه أحمد الأنبياء والرسل، وحتى لا يغتر أحد منهم بعد ذلك فيجعل لسبق زمن أنبياء بني إسرائيل - ابتداء بأولهم موسى عليه السلام إلى آخرهم عيسى عليه السلام - فضلاً على محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه جاء بعدهم فيصرفهم ذلك عنه، ويحجبهم عن الإيمان به، بغير عذر لهم من الله في عدم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيكون في ذلك هلاكهم.

ورابعًا: أن في قول عيسى عليه السلام إقرارًا منه أمام بني إسرائيل أنه ليس خاتم الأنبياء، وأن ما يريده الله من البشر لم ينته بعد، وسيأتي من بعده من يختم مهمة الأنبياء، وأن ما سينزل عليه فيه الكفاية لهم حتى نهاية الحياة الدنيا، دون الحاجة لنبي أو كتاب بعده.

وخامسًا: أن عيسى عليه السلام جعل من نفسه بشرى بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقرب مبعثه، ... وذلك أن أبانا آدم عليه السلام تلقى من ربه كلمات فتاب عليه ووعده بأنه سيعيده إلى الجنة وذريته ممن آمن وعمل صالحًا، وأن الله تعالى ابتلى خليله إبراهيم أبا الأنبياء عليه السلام بكلمات فأتمهن، ووفى بهن، فجعله للناس إمامًا، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، وأن الله عز وجل كلم بعده موسى عليه السلام تكليمًا، وأرسله إلى فرعون ألد أعدائه من الإنس، وجعل عيسى عليه السلام كلمته، فحفظه بالوفاة والرفع، حتى يتلقى كلماته عندما يحين نزولها، وجعله الله بشرى بنزول كلماته، على أحمد الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم، وهي القرآن الكريم، ولا شك فيه أن من خصه الله بنزول كلمات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير