وأسباب التشابه متعددة، فلو سألنا: لماذا تشابهت هذه الآيات على قوم وعلمها آخرون؟
فإننا سنجد أسبابًا متعددة، ومثال وقوع المتشابه النسبي ما وقع للخوارج، وهم من أوائل الفرق التي اشتبهت عليهم بعض آيات الكتاب، خصوصًا ما يتعلق بمسألة الحكم؛ هل يكون لغير الله؟
فذهبوا إلى آيات فيها أن الحكم لله وألغوا حكم البشر, فاعتمدوا على جزء من الآيات, وتركوا آيات أخرى, وهي معلومة بالنسبة إلى الصحابة, ولم يقع عندهم خلاف.
• المصدر في فك التشابه عقلي ونقلي معاً, فلا بد من وجود مصدر نقلي وإعمال العقل فيه, فإذا عكسنا هذا وجعلنا الأصل هو العقل, والنقل تبعاً له فهذا يقع فيه التشابه الكبير ويقع الانحراف, وما عدا ذلك وهو ما يسمى عند بعضهم بظواهر الكتاب أو ظواهر القرآن تعتبر ظنية فيجعلون العقل محكماً وظواهر النصوص ظنية, وإذا تصادم عندهم القطعي -وهو الدليل العقلي- بالظني -وهو ظواهر النصوص- فيقدم العقل.
• وأكبر مشكلة وقعت في العلم الشرعي هي مشكلة تقديم العقل المحض على النقل, وهي مسألة فيها خلاف وجدال معروف في كتب الاعتقاد والاحتجاج , وقد ردّ شيخ الإسلام في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) على الرازي في كتابه: (أساس التقديس) في هذه المسألة المهمة، وهي هل يقع تعارض بين النقل والعقل؟
• ومن أمثلة من جعل الدلائل العقلية هي المحكم عبد الجبار الهمداني في كتابه (متشابه القرآن) , وقد جعل آيات الكتاب ظواهر ظنية؛ ولهذا يجمع بين الآية والآية إذا رأى أن بينهما تشابهاً, فيرد بدلالة العقل لا بظاهر النصوص.
مسألة المحكم الذي يقابل المنسوخ
سيأتي الحديث عن النسخ في نوع مستقل، وقد كان بعض السلف يذهب بآية إلى الإحكام، ويقصد أنها غير منسوخة، ويذهب آخرون إلى القول بنسخها فتكون غير محكمة، وبهذا يقع الاختلاف الذي هو ضابط الفرق بين المحكم والمتشابه النسبي، فإذا وقع خلاف في كون الآية محكمة أو منسوخة، فإن هذا يعني أن هذه الآية تدخل في المتشابه النسبي؛ لأن النسخ مما يعلمه قوم دون قوم؛ إذ الإحكام هو الأصل.
مسألة الحروف المقطعة، هل تدخل في المتشابه الكلي؟
• الحروف المقطعة خرجت من المتشابه الكلي, والدليل على ذلك أن السلف من الصحابة والتابعين قد تكلموا فيها ووقع بينهم خلاف فيها، ولو كانت من المتشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الله لما تجرَّؤا على الحديث فيها، فلما تكلموا فيها دلَّ ذلك على خروجها عن أن تكون من المتشابه الكلي، ودخولها في المتشابه النسبي، والحق لا يخرج عن أحد الأقوال التي قالوه فيها.
مسألة: آيات الصفات، هل هي من المتشابه الكلي أو من المتشابه النسبي؟
• قول السيوطي: (من المتشابه آيات الصفات, ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد)
نقول إن في الصفات جانبين: معانيها وكيفياتها:
أما معاني الصفات فتعتبر من المتشابه النسبي؛ لأنه وقع فيها خلاف بين طوائف الأمة, وأما كيفيات الصفات فهي من المتشابه الكلي الذي تتفق فيه جميع الطوائف على أنه لا يعلم كيفية اتصافه بهذه الصفات إلا الله تعالى.
وقد وقع خلط عند السيوطي وغيره: كابن اللبان الذي نقل عنه السيوطي في هذا الموضع من كتابه: (رد الآيات المحكمات على المتشابهات)، ولهذا الخلط أسباب ليس هذا محل ذكرها.
وإذا قرأت في بعض كتب التفسير التي اعتنت بعلم الكلام وتوسعت فيه، أو التي أوَّلت كلام الله الواضح للعربي إلى تأويلات عقلية لا تخطر ببال العربي الذي نزل القرآن بلغته؛ إذا قرأت ذلك بان لك أن مساوئ علم الكلام في التفسير أسوأ من مساوئ الإسرائيليات.
تعقيب:
ـ المتشابه الكلي ليس من علوم البشر، فضلاً عن أن يكون من علوم القرآن؛ لأن هذا العلم مما يختص بالله تعالى، لكن لا يصلح أن نحكم على مسألة علمية بأن هذا مما لا يعلمه إلا الله إلا بنص ظاهر.
ـ أما المتشابه النسبي فإنه يعتمد على النقل والعقل، لذا فهذا الموضوع من الموضوعات التي يدخلها العقل، لكن الأصل فيه النقل.
ـ وهذا النوع له علاقة بعلم التفسير، وبمشكل القرآن، كما أن له علاقة بعلم آخر، وهو علم الاعتقاد.
ـ[أبو عبيدة]ــــــــ[22 Apr 2008, 12:22 ص]ـ
رفع الله قدرك
وجزاك الله خيرا