الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها لي، خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلْكُهُ ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
* عن ابن عباس قال: دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قحافة فسأله عن القرآن، فلما أخبره خرج على قريش فقال: يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة. فوالله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذْي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله.
وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر, وإن أسفله لمغدق, وإنه ليعلو وما يعلى.
* حكى الأصمعي قال سمعت جارية أعرابية تنشد وتقول:
أستغفر الله لذنبي كله * * قبلت إنسانا بغير حله
مثل الغزال ناعما في دله * * فانتصف الليل ولم أصله
فقلت: قاتلك الله ما أفصحك! فقالت: ويحك أو يعد هذا فصاحة مع قوله تعالى: " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ..... " الآية، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.
فانظر رعاك الله كيف أدركت هذه الجارية سراً من أسرار وإعجازهذا القرآن العظيم.
3 - القرآن يصل إلى قلوب الأعاجم ويحرك أشجانهم:
قال أحد الدعاة المشهورين رحمه الله:
إن الأداء القرآني يمتاز ويتميز من الأداء البشري. . إن له سلطاناً عجيباً على القلوب ليس للأداء البشري؛ حتى ليبلغ أحياناً أن يؤثر بتلاوته المجردة على الذين لا يعرفون من العربية حرفاً. .
أذكر حادثاً وقع لي وكان عليه معي شهود ستة، وذلك منذ حوالي خمسة عشر عاماً. . كنا ستة نفر من المنتسبين إلى الإسلام على ظهر سفينة مصرية تمخر بنا عباب المحيط الأطلسي إلى نيويورك؛ من بين عشرين ومائة راكب وراكبة أجانب ليس فيهم مسلم. . وخطر لنا أن نقيم صلاة الجمعة في المحيط على ظهر السفينة! والله يعلم - أنه لم يكن بنا أن نقيم الصلاة ذاتها أكثر مما كان بنا حماسة دينية إزاء مبشر كان يزاول عمله على ظهر السفينة؛ وحاول أن يزاول تبشيره معنا!. . وقد يسر لنا قائد السفينة - وكان إنجليزياً - أن نقيم صلاتنا؛ وسمح لبحارة السفينة وطهاتها وخدمها - وكلهم نوبيون مسلمون - أن يصلي منهم معنا من لا يكون في «الخدمة» وقت الصلاة! وقد فرحوا بهذا فرحاً شديداً، إذ كانت المرة الأولى التي تقام فيها صلاة الجمعة على ظهر السفينة. . وقمت بخطبة الجمعة وإمامة الصلاة؛ والركاب الأجانب - معظمهم - متحلقون يرقبون صلاتنا!. . وبعد الصلاة جاءنا كثيرون منهم يهنئوننا على نجاح «القدَّاس!!! فقد كان هذا أقصى ما يفهمونه من صلاتنا! ولكن سيدة من هذا الحشد - عرفنا فيما بعد أنها يوغسلافية مسيحية هاربة من جحيم» تيتو «وشيوعيته! - كانت شديدة التأثر والانفعال، تفيض عيناها بالدمع ولا تتمالك مشاعرها. جاءت تشد على أيدينا بحرارة؛ وتقول: - في إنجليزية ضعيفة - إنها لا تملك نفسها من التأثر العميق بصلاتنا هذه وما فيها من خشوع ونظام وروح!. . وليس هذا موضع الشاهد في القصة. . ولكن ذلك كان في قولها: أي لغة هذه التي كان يتحدث بها» قسيسكم «! فالمسكينة لا تتصور أن يقيم» الصلاة «إلا قسيس - أو رجل دين - كما هو الحال عندها في مسيحية الكنيسة! وقد صححنا لها هذا الفهم!. . وأجبناها: فقالت: إن اللغة التي يتحدث بها ذات إيقاع موسيقي عجيب، وإن كنت لم أفهم منها حرفاً. . ثم كانت المفاجأة الحقيقية لنا وهي تقول: ولكن هذا ليس الموضوع الذي أريد أن أسأل عنه. . إن الموضوع الذي لفت حسي، هو أن» الإمام «كانت ترد في أثناء كلامه - بهذه اللغة الموسيقية - فقرات من نوع آخر غير بقية كلامه! نوع أكثر موسيقية وأعمق إيقاعاً. . هذه الفقرات الخاصة كانت تحدث في رعشة وقشعريرة! إنها شيء آخر! كما لو كان - الإمام - مملوءاً من الروح القدس! - حسب تعبيرها المستمد من مسيحيتها! - وتفكرنا قليلاً. ثم أدركنا أنها تعني الآيات القرآنية التي وردت في أثناء خطبة الجمعة وفي أثناء الصلاة! وكانت - مع ذلك - مفاجأة لنا تدعو إلى الدهشة، من سيدة لا تفهم مما تقول شيئاً!
هذه الحادثة - وأمثالها مما ذكره غير واحد - ذو دلالة على أن في هذا القرآن سرّاً آخر تلتقطه بعض القلوب لمجرد تلاوته.
4 - الجن يستمعون القرآن فيؤمنوا:
بعد أن منع الله الجن وحيل بينهم وبين خبر السماء, وأرسلت إليهم الشهب, ضربوا مشارق الأرض ومغاربها, يبتغون هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء, فانصرف نفر منهم نحو وادي نخلة بتهامة, وإذا بهم يسمعون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن بصوت شجي, فقالوا هذا الذي منعكم خبر السماء. فاستمعوا له وأعجبوا به أشد العجب, وأدهشوا بعظمته وحلو بيانه, فكان سبباً في إيمانهم بل رجعوا إلى قومهم داعين ومنذرين لهم قالوا: ((إنا سمعنا قرآنا عجبا)) ولم يقولوا عجيباً بل هو العجب ذاته. وقالوا: ((يا قومنا أجيبوا داعي الله))
¥