ونبدأ بإذن الله في تقديم تصورنا نحن لهذه السورة الذي يربطها كلها من أولها إلى آخرها بإذن الله تعالى, ولكن قبل أن نقدم تصورنا لها نوضح أن النظرة المنقوصة للسورة ليست فعلا خاصا بالأقدمين فقط, فلقد رأينا في المعاصرين من وقع في نفس المأزق وهو الدكتور محمد شحرور, فلقد حاول أن يقدم تأويلا عصريا للآيات الواردة في أول سورة الفجر فقال:
" ((فالخلق الأول بدأ بانفجار كوني هائل حيث قال: "والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر" حيث إنّ الفجر هو الانفجار الكوني الأول "وليال عشر" معناه أنّ المادة مرّت بعشر مراحل للتطوّر حتى أصبحت شفّافة للضوء، لذا أتبعها بقوله "والشفع والوتر" حيث أنّ أول عنصر تكوّن في هذا الوجود وهو الهيدروجين وفيه الشفع في النواة والوتر في المدار، وقد أكّد هذا في قوله: "وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيام وكان عرشه على الماء " (هود،7) والهيدروجين هو مولّد الماء، أي بعد هذه المراحل العشر أصبح الوجود قابلاً للإبصار لذا قال: "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" (الأنعام،1))) -الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة. ص235 - . " اهـ ولقد انبرى بعض الأخوة للرد على ما قاله فحاولوا أن يفندوا ما قاله, ولكن فعله هو نفس فعلهم تجزأة للسورة وخروج بمضمون لا علاقة له بها, أما نحن فنجزم بخطأ الدكتور شحرور من خلال البناء العام للسورة, ونبدأ بإذن الله تعالى في عرض البناء العام لهذه السورة الجليلة:
الناظر في هذه السورة يجد أنها بدأت بأربعة أقسام وهي قوله تعالى "وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) " ثم ثنى الله عزوجل بعد ذلك بالسؤال: " هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) " فإذا نظرنا في الآيات التاليات لهذه الخمسة لا نجد جواب القسم , وإنما نجد آيات تدعو النبي الكريم إلى تذكر فعل الله عزوجل بعاد وثمود وفرعون وكيف أنزل الله بهم العذاب, وبعد ذلك تخبرنا السورة "إن ربك لبالمرصاد" ثم تتحدث عن حال الإنسان عند ابتلاء الله عزوجل له بالنعيم وبالتقدير ثم تذكر موقف مجيئ الله عزوجل في اليوم الآخر للحساب وعن المجيء بجهنم وعن تذكر الإنسان وعن رجوع النفس إلى ربها ودخولها الجنة. فما هو الرابط الذي يربط هذه المعاني؟ إن اكتشاف الرابط يؤدي لا محالة إلى تحديد معان الآيات الكريمات الواردة في أول السورة, لذا نقدم لك عزيزي القارئ ذلك الرابط أو المنظور العام للسورة ثم نبدأ في تناول السورة:
المنظور العام للسورة:
تدور السورة في فلك إثبات أن الله عزوجل مطلع على العباد وعلى أعمالهم في الدنيا والآخرة وليس غافلا عنهم وأنه يعاقبهم في الدنيا على ذلك وهذا الحساب والعذاب يخضع لقوانين معينة فإذا حدث شروطه نزل العذاب وأن الإنسان هو الذي يتسبب في إنزال هذا العذاب, وتوضح السورة أن العذاب في الدنيا هو مهما كان عذاب صغير لا يقارن بالعذاب الوارد في الآخرة فهناك سيكون مرجعين إثنين إما إلى النار والعذاب الشديد أو إلى الله عزوجل وإلى جنة النعيم. ونبدأ بعون الله في تناول السورة الكريمة:
تبدأ السورة الكريمة بقوله تعالى "والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر" فما هو المراد هذه المقسمات والتي يقول الله عزوجل بعدها " هل في ذلك قسم لذي حجر"؟
إن أفضل تحديد للمراد من هذه الأقسام هو النظر في المقسم عليه أو جواب القسم, فما هو جواب القسم لهذه الآيات؟
يأتي جواب القسم في السورة واضحا وضوحا جليا وعلى الرغم من ذلك وجدنا فيه اختلافا, فيقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره:
"واعلم أن في جواب القسم وجهين الأول: أن جواب القسم هو قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} وما بين الموضعين معترض بينهما, الثاني: قال صاحب «الكشاف»: المقسم عليه محذوف وهو لنعذبن الكافرين، يدل عليه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ} إلى قوله {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} وهذا أولى من الوجه الأول لأنه لما لم يتعين المقسم عليه ذهب الوهم إلى كل مذهب، فكان أدخل في التخويف، فلما جاء بعده بيان عذاب الكافرين دل على أن المقسم عليه أولاً هو ذلك." اهـ فكما نرى فإن الإمام الفخر يرجح أن يكون المقسم عليه محذوفا ويقدره كما قدره
¥