تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذا فالله تعالى يقسم بالشفع الذي أعطاه لعاد وثمود وآل فرعون فطغوا وتجبروا واعتدوا بأنفسهم وبه وظنوا أنه حام لهم ومانع فلم يمنعهم ذلك من أمر الله, فإنه إذا جاء لا راد له. ويذكر القرآن أن هذا الابتلاء حدث مع فرعون وآله صراحة فيقول: "وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [الأعراف: 131,130]

فحدث معهم عملية الإيتار فلم يتذكروا, -ونركز على التذكر- وعندما كانوا يشفعون "جاءتهم الحسنة- كانوا يردونها إلى أنفسهم وينسبونها لهم.

إذا فالمراد من الشفع والوتر هو عملية الشفع والوتر, ولا يبقى أمامنا من المقسمات بها إلا "والليل إذا يسر" وهي آية واضحة المعنى والمبنى, ولكنا للأسف وجدنا أن بعض المفسرين طمس هذا المعنى فقال أن المراد ليس يسر ولكنى يُسرى فيه!!! فإذا نحن نظرنا في تفسير مفاتيح الغيب وجدنا أن الإمام الفخر الرازي ذكر هذا القول احتمالا, فقال:

"المسألة الأولى: {إِذَا يَسْرِ} إذا يمضي كما قال: {واليل إِذَا أَدْبَرَ} [المدثر: 33] وقوله: {واليل إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] وسراها ومضيها وانقضاؤها أو يقال: سراها هو السير فيها، وقال قتادة: {إِذَا يَسْرِ} أي إذا جاء وأقبل.

المسألة الثانية: أكثر المفسرين على أنه ليس المراد منه ليلة مخصوصة بل العموم بدليل قوله: {واليل إِذَا أَدْبَرَ} {واليل إِذَا عَسْعَسَ} ولأن نعمة الله بتعاقب الليل والنهار واختلاف مقاديرهما على الخلق عظيمة، فصح أن يقسم به لأن فيه تنبيهاً على أن تعاقبهما بتدبيره مدبر حكيم عالم بجميع المعلومات، وقال مقاتل: هي ليلة المزدلفة فقوله: {إِذَا يَسْرِ} أي إذا يسار فيه كما يقال: ليل نائم لوقوع النوم فيه، وليل ساهر لوقوع السهر فيه، وهي ليلة يقع السري في أولها عند الدفع من عرفات إلى المزدلفة، وفي آخرها كما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقدم ضعفة أهله في هذه الليل، وإنما يجوز ذلك عند الشافعي رحمه الله بعد نصف الليل." اهـ

ولست أدري لم يذكر هذا الاحتمال البعيد وكثير من أمثاله في كتب التفسير فتمتلأ بأقوال لا علاقة لها باللفظ ويتوه القارئ في تحديد المعنى المراد ثم نجد بعد ذلك من يتعصب لقول لا علاقة له باللفظة, وإذا كان الإمام قد ذكر القول احتمالا فهناك غيره من يذكرون هذه الأقوال ويتعصبون لها لأنها صادرة عن فلان, على الرغم من كونها مخالفة لمعنى اللفظة! فإذا نحن نظرنا على سبيل المثال في المقاييس وجدنا ابن فارس يقول:

" ..... والسُّرَى سير اللَّيل، يقال سَرَيْت وأسريت. قال: والسَّراء: شجرٌ.

وسَرَاة الشيء: ظَهْره. وَسَراة النَّهار: ارتفاعُهُ." اهـ

وسبب هذه الإشكالية عندهم أن السرى هو السير بالليل, ولست أدري ما الذي يمنع أن ينسب نفس الفعل إلى الليل؟ أما هم فقالوا: الليل يسرى فيه ولا يسر! ولست أدري كيف يقول الله شيئا فيعدلونه! إن هذه الآية آية جلية في وصف فعل طبيعي, فالآية تتحدث عن مسير الليل وذهابه.

إذا بعد هذه الرحلة الطويلة إلى حد ما في تحديد مداليل هذه الآيات نسأل:

ما هو الرابط الذي يربط هذه الآيات بالمقسم عليه "إن ربك لبالمرصاد"؟

نقول: الرابط هو أن الله تعالى يقدم صورة بديعة على رصده لخلقه وتنظيمه لهم وحسابهم وعقابهم فيقسم بالفجر الذي يأتي فيزيح الليل, فكما أزاح الفجر الليل يزيح الله عزوجل قوى الشرك والظلم من أمام النبي الكريم ومن وجه الدعوة الجديدة, ويقسم بليال عشر كان لها دور في إفناء أقوى قوتين وجدا على وجه الأرض, فإذا كان الله قد أهلك عادا وثمودا فهو كذلك قادر على إهلاك المعاندين للرسول, ويقسم كذلك بعملية الزيادة والإنقاص والتي بها وفيها يهلك الناس , ثم يختم بالقسم بسير الليل وفيه إشارة إلى حتمية وجود الليل فالليل حتما لا بد أن يأتي ولكن الليل لا يأتي فيبقى, فهذا ما لا يكون, بل الليل يأتي ويزول, لم؟ لأنه يسر, فهو في دورة وحتما بعد أن يسر الليل لا بد أن يأتي الفجر وبعد الفجر يكون حتما النهار وعلو الدين الجديد!

فالله يبشر نبيه أن دينه في علو وظهور فلقد أتى الفجر وإذا أتى الفج فحتما لا بد أن ينقضي الله ويذهب وبعد الفجر يكون النهار وهو ما كان فعلا, فذهب الليل وأتى فجر الإسلام وضحاه وظهره!

ونلاحظ في المقسمات بها أدلة دامغة على كون الله عزوجل بالمرصاد في الدنيا, فالمقسمات بها هي أزمنة "فجر, ليال, سير ليل" وكذلك هي فعل يحدث في هذه الأزمنة وهو عملية الشفع والوتر, فالله يشفع الناس ويوترهم في زمان, فهذا الفعل لا يحدث خارج نطاق الزمان بل هو يحدث داخله ويحتاج إلى زمان قد يطول, لذا فعلى الإنسان ألا يتعجل ويعلم أن كل شيء بمقدار وأجل والله عزوجل هو الأعلم بالزمان والمكان والقدر المناسبين لإنفاذ فعله العظيم, فإذا جاء هذا الأجل لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون!

إذا فكما رأينا من خلال هذه المعان العظيمة المرتبطة ببعضها والمرتبطة بالمقسم عليه وبالأدلة على المقسم عليه, وكذلك بكل السورة –كما سنرى بإذن الله وعونه- فمن المنطقي أن تأتي الآية التالية فتقول "هل في ذلك قسم لذي حجر"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير