تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتَبْتَدِئ الشيءَ من كلامها يُبَيِّنُ أوَّلُ لفظها فيه عن آخره. وتبتدئ الشيء يبين آخر لفظِها منه عن أوَّلِهِ

وتكلَّمُ بالشيء تُعَرِّفُه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ كما تعرِّف الإشارةُ ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جَهَالتها

وتسمِّي الشيءَ الواحد بالأسماء الكثيرة وتُسمي بالاسم الواحد المعانيَ الكثيرة .. ))

وأما الذي ننفيه:

1 - أن يُجعل بعض هذا هو الوضع اللغوي الأول وبعضه مجاز خرج إليه بقرينة.

2 - وأن يُجعل هذا المتبادر أصلاً يصلح للتمسك به فلا يُخرج عنه إلا بدليل ..

3 - وإطلاق القول بإنه ظاهر اللفظ ..

فهذا المتبادر يتفاوت تفاوتاً كبيراً بتفاوت الناظر وعقله وعلمه .. ولفظ الظاهر على هذا لفظ مجمل جداً .. فالشافعي وغيره من أهل العلم استعملوه وأرادوا أنه الذي يسبق إلى فهم السامع ولم يجاوزوا به هذا القدر .. أما المتأخرون فأكسبوه أحكاماً من صلاحيته للتمسك به وألا يخرج عنه إلا بدليل .. كل ذلك قاد إلى اشتباهه بلفظ الظاهر الذي هو ما يصل إليه الناظر في تفسير النصوص بعد جمع أدلة الباب جميعاً .. والذي هو عند مفسر النصوص: مراد الله ورسوله بالنص ..

خلاصة:

السلف استعملوا لفظ الظاهر وأرادوا به معنيين:

الأول: ما يتبادر إلى فهم الناظر للنص (ويتحكم في هذا المتبادر عوامل شتى) .. ولم يعطوا لهذا الظاهر أي نوع من الأحكام .. فلم يجعلوه هو الراجح .. ولم يجيزوا التمسك به إلا من بابة واحدة هي: قد أحسن من انتهى إلى ماقد سمع وأوجبوا عليه البحث والنظر وطلب العلم بجمع أدلة الباب وسؤال أهل الذكر لتقويم هذا المتبادر .. ولا يستجيز السلف أن يُطلق القول بأن هذا المتبادر هو ظاهر كلام الله .. بحيث يجعل هذا الباطل والضلال (الذي قد يكون هو المعنى المتبادر أحياناً) هو ظاهر كلام الله ..

الثاني: ما يصل إليه الناظر في تفسير النصوص بعد جمع الباب كما أوضحنا .. وهذا قد أجاز السلف التمسك به وعدم الخروج عنه إلا ببينة .. وإذا ظهرت هذه البينة فإنما تفيد تقصير هذا الباحث في الجمع لا غير .. وإنما أجازوا التمسك بهذا الظاهر ولم يجيزوا التمسك بالأول .. لأن الظاهر الأول هو بادي الرأي لا غير .. في كثير من الموارد لا يكون هو مراد الله .. أما الظاهر الثاني فقد اجتهد صاحبه واستفرغ وسعه في معرفة مراد الله بما يكون مظنة الإصابة ويكون صاحبه قد استمسك على علم عنده قد استفرغ الوسع فيه ..

ولا يوجد في كلام السلف جميعاً التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره .. لأن المعتبر عندهم هو جمع أدلة الباب فغاية من تأتيه بينة تصرفه عن الظاهر الذي تمسك به=أنه قد أخطأ في تفسير (تأويل) النص لتقصيره في الجمع .. وعملية الجمع هذه المؤدية للوصول لمراد الله هي التأويل والتفسير ..

أما الخلف ..

فأطلقوا ظاهر اللفظ وأرادوا به ما يتبادر إلى فهم السامع (وجعلوا القانون الحاكم لهذا المتبادر الوضع اللغوي الأول) فكانت المخالفة الأولى للسلف ..

وأجازوا التمسك بهذا الظاهروجعلوه هو الراجح بمجرد كونه المتبادر، وبعضهم أجاز هذا التمسك بغير بحث مطلقاً .. فكانت المخالفة الثانية للسلف ..

ثم إن أتى صارف يصرف عن هذا الظاهر الراجح المتمسك به سموه تأويلاً فأجازوا الذهاب للمعنى الذي جعلوه مرجوحاً .. وجعلوا هذا الذي انصرف مع الصارف قد انصرف من علم إلى علم .. وهذه المخالفة الثالثة للسلف ..

وأجاز بعضهم أن يسمى هذا الذي تُرك وذُهب عنه ظاهر اللفظ مطلقاً .. وهذه مخالفة للسلف ..

واجاز بعضهم أن يكون ظاهر اللفظ وظاهر كلام الله كفر وضلال .. وأن يكون الله قد خاطب عباده بكلام ظاهره العذاب .. وأن الهداية نكون في الخروج عن ظاهر كلام الله .. وهذه مخالفة للسلف ..

وكل ذلك أوقعهم فيه:

1 - الإجمال في إطلاق ظاهر اللفظ ..

2 - وجعل المتبادر إلى ذهن وفق مقتضى الوضع اللغوي حق يصلح للتمسك به.

3 - وغفلتهم عن أن التفسير الحق للنصوص لا تكون طريقة ظاهر اللفظ هذه سبيله وإنما غايتها أن تكون خطوة تصيب المتلقي أول سماع النص ثم واجبه بعدها البحث عن تفسيره على الطريقة التي وصفنا ..

ولا تناقض في الطريقة التي وصفنا .. فلسان العرب فيها هو أحد روافد التفسير .. وعندهم هو حق يصلح للتمسك به بمفرده حتى يأتى غيره ...

وأختم بهذا النص من كلام الشيخ:

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَدِّرَ قَدْرَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إلَّا عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَهُ لَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي كَلَامِ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَتَأَوَّلُ النُّصُوصَ الْمُخَالِفَةَ لِقَوْلِهِ؛ يَسْلُكُ مَسْلَكَ مَنْ يَجْعَلُ " التَّأْوِيلَ " كَأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَقَصْدُهُ بِهِ دَفْعُ ذَلِكَ الْمُحْتَجِّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ النَّصِّ وَهَذَا خَطَأٌ؛ بَلْ جَمِيعُ مَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ. فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَنَكْفُرَ بِبَعْضِ، وَلَيْسَ الِاعْتِنَاءُ بِمُرَادِهِ فِي أَحَدِ النَّصَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، فَإِذَا كَانَ النَّصُّ الَّذِي وَافَقَهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ اتَّبَعَ فِيهِ مُرَادَ الرَّسُولِ؛ فَكَذَلِكَ النَّصُّ الْآخَرُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ فَيَكُونُ أَصْلُ مَقْصُودِهِ مَعْرِفَةَ مَا أَرَادَهُ الرَّسُولُ بِكَلَامِهِ؛ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِيرٍ وَتَأْوِيلٍ)).

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير