فقد رواه إسحاق بن راهوية من رواية النسائي عنه بتصريح بقية بالسماع، وكذا رواه لُوْين، ولوين ثقة، وإسحاق إمام، لكن النسائي قد خالفه الإمام البخاري، فرواه عن إسحاق بعنعنة بقية، فلعل هذا الاضطراب من بقية، أو تُرَجِّح رواية البخاري عن إسحاق على رواية النسائي عنه لمزية البخاري في ملازمة إسحاق، ولمكان البخاري في هذا الشأن.
وقد رواه عن بقية بالعنعنة عدد كبير – إضافة إلى رواية البخاري عن إسحاق عن بقية- وهم:
1 - عمرو بن عثمان، (وهو صدوق).
2 - كثير بن عبيد، (وهو ثقة).
3 - محمد بن عمرو بن حنان، (وهو ثقة).
4 - يزيد بن عبد ربه، (وهو ثقة).
5 - حيوة بن شريح، (وهو ثقة ثبت).
6 - محمد بن مهران الجمال، (وهو ثقة حافظ، لكن تلميذه في السند إليه هو شيخ الطبراني: محمد بن جابان، مجهول الحال).
7 - عبد الرحيم بن حبيب، (وهو يروي عن بقية الموضوعات، كما في "اللسان" إلا أن العمدة على ما تقدم).
ومن نظر في هذا كله قوي عنده الظن بأن المحفوظ عن بقية رواية هذا الحديث بالعنعنة بينه وبين مسلم بن زياد، وإن كان الحافظ قد ذهب في "نتائج الأفكار" (2/ 377) إلى خلاف هذا، فقال: "وبقية صدوق، أخرج له مسلم، وإنما عابوا عليه التدليس والتسوية، وقد صرَّح بتحديث شيخه له، وبسماع شيخه، فانتفت الريبة ... "اهـ.
قلت: أما من انتفاء شبهة التسوية من بقية فنعم، وذلك للتصريح بسماع مسلم بن زياد من أنس، وسيأتي الجواب عمن غمز في ذلك لجهالة مسلم عنده، وأما الريبة من العنعنة فلا تنتفي مع رواية ثمانية عنه بالعنعنة، وتبقى العنعنة من بقية – وهو مدلس- علة لا نتجاوزها في هذا الطريق.
ج- أن في هذه المصادر السابقة يُروى الحديث تارة: "اللهم إني أُشْهِدك" وتارة: "اللهم إني أصبحت أُشْهِدك" وتارة: "اللهم إنا أصبحنا نُشْهِدك" والحديث بهذه الزيادة محفوظ إلى بقية، ويبقى ما بعد ذلك.
د- هناك اختلاف يسير في الثواب المترتب على هذا الذِّكْر:
1 - فعند النسائي باللفظ المذكور: " ... أعتق الله ربعه ذلك اليوم من النار، فإن قالها أربع مرات؛ أعتقه الله ذلك اليوم من النار".
2 - وعند البخاري في "الأدب المفرد": " ... إلا أعتق الله ربعه في ذلك اليوم، ومن قالها مرتين؛ أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها أربع مرات؛ أعتقه الله من النار في ذلك اليوم" ولم يذكر "ثلاث مرات".
3 - وعند ابن عساكر، والضياء، والحافظ ابن حجر بلفظ: "من قالها مرة؛ أعتق الله ربعه من النار في ذلك اليوم، فإن قالها مرتين؛ عُتق نصفه، فإن قالها ثلاثًا؛ عُتق ثلاثة أرباعه، فإن قالها أربع مرات؛ أعتقه الله ذلك اليوم من النار".
وعندي أن هذا الخلاف لا يضر؛ فإن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الرواية الأولى لمن قال هذا الذِّكْر – أي مرة واحدة-: "أعتق الله ربعه ذلك اليوم من النار" يشير إلى أنه لو قاله مرتين؛ عُتق نصفه، وهكذا، وهذا ما صرحتْ به رواية البخاري في "الأدب المفرد" وكلا الروايتين تشيران إلى أن من قال ذلك ثلاث مرات؛ أُعْتِق ثلاثة أرباعه من النار، وهذا ما صرحت به الرواية الأخيرة عند ابن عساكر والضياء وغيرهما، فالإجمال في بعض الروايات لا يضر الزيادة المفصَّلة في التجزئة؛ لأن في الإجمال ما يشير بصحة معنى ما ورد في التفصيل، فقوْل الذِّكر مرة يكون سببًا في عتق ربع القائل، فمن قاله أربع مرات؛ أعتق كله، والله أعلم.
هـ- في الرواية الثانية لبقية ورد الثواب لمن قال هذا الذكر بلفظ آخر، وهو: "غُفر له ما أصاب في يومه من ذنب ... وغُفر له ما أصاب تلك الليلة من ذنب".
إلا أن الطرق الأخرى – كما سيأتي إن شاء الله تعالى- تقوي اللفظ الأول بخلاف هذا اللفظ، والله أعلم.
و- في كون هذا الذكر من أذكار الصباح والمساء، أو الصباح فقط خلاف:
1 - فقد رواه ابن عساكر من رواية محمد بن عمرو بن حنان عن بقية به بلفظ: "من قال حين يصبح ... " الحديث، وفي آخره: "وإن قالها حين يمسي ... ".
2 - وكذا رواه البغوي في "شرح السنة" من طريق يزيد بن عبد ربه عن بقية به، هكذا رواه جماعة عن بقية بذكر الصباح والمساء، وهم:
1 - محمد بن عمرو بن حنان، (وهو ثقة.
2 - يزيد بن عبد ربه، (وهو ثقة).
3 - عمرو بن عثمان، (وهو صدوق).
4 - كثير بن عبيد، (وهو ثقة).
5 - حيوة بن شريح، (وهو ثقة ثبت).
6 - محمد بن مهران الجمال، (وهو ثقة، وفي السند إليه من لا يحتج به).
¥