تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن خلال هذا كله كانت هناك رقابة صارمة تنظر بعين نافذة إلى ملايين البشر في مجتمع مترامي الأطراف واسع الأرض فتسجل في إحصاءات متعاقبة مقادير اللحن ونماذج الأخطاء الدائرة على الألسن بعد أن وضع النحو وصارت العربية صناعة ودربة. فكانت تلك الحركة تنظر إلى العامة أول الأمر وهم يرسلون أحاديثهم بغير التزام أو إعراب فوجدتهم ينحرفون عن السنن لأكثر مما يصيبون، وسجلت لهم ذلك دون ملال أو كلال لكنها رأت أن تنصرف إلى مراقبة الخاصة من العلماء والأدباء لتنبه على أخطائهم وتشير إلى وجه الفصاحة والصواب فكانت حصيلة هذا عشرات من المصنفات اللغوية العاملة على تنقية اللغة العربية من كل شائبة أو تحريف وتلك هي حركة التصحيح اللغوي المبتدئة بأول تنبيه على أقدم لحن عربي.

وقد عرفت تلك المؤلفات بكتب لحن العامة، إلاّ أن اللغويين الذين تصدوا لتثقيف الألسن وتقويم اعوجاجها لم يتفقوا على مقياس محدود على أساسه الحكم بالصحة أو الخطأ، فمنهم من سلك مسلكاً متشدداً بالوقوف عندما سمع وعدم الاعتراف إلا بالأفصح وما عداه فهو خطأ. ومنهم من ذهب إلى التساهل وتجويز النطق بالنادر والرديء ما دام ذلك وارداً في لهجة من لهجات العرب.

لقد عدّ اللغويون المتشددون كل كلام مخالف لكلام القبائل الفصيحة خطأ ولحناً وكان الأصمعي على رأس المتشددين، ومنهم الفرّاء (ت 207 هـ) في كتابه (البهاء فيما تلحن فيه العامة)، وثعلب (ت 291) في كتابه (الفصيح)، وابن قتيبة (ت 276 هـ) في كتابه (أدب الكاتب)، وأبو بكر الزبيدي (ت 379) في كتابه (لحن العامة)، والحريري (ت 510 هـ) الذي ساءه أن تتغلب الأخطاء اللغوية على ألسنة الخاصة من المثقفين وأرباب العلم والأدب، فألف كتاب (درة الغواص في أوهام الخواص)، والخط الذي يجمع بين هذه الكتب هو الأفصح والفصيح والعامي (المولد) الذي يساوي الخطأ أو الخروج على الفصيح والأفصح.

أما اللغويون المتساهلون فأغلبهم من المتأخرين ويمثلهم ابن مكي الصقلي (ت 501 هـ) في كتابه (تثقيف اللسان وتلقيح الجنان)، وابن السيد البطليوسي (ت 521 هـ) في كتابه (الاقتضاب في شرح أدب الكاتب) وهو شرح لكتاب (أدب الكاتب) لابن قتيبة، وابن هشام اللخمي الأشبيلي (ت 577 هـ) في كتابه (المدخل إلى تقديم اللسان وتعليم البيان، والشهاب الخفاجي (ت 1069 هـ) في كتابه (شفاء الغليل فيما ذكر العرب من الدخيل).

إنّ اللغويين القدامى عرضوا للخطأ اللغوي وجدّوا في مقاومته إلا أنهم كانوا فريقين، الأول متشدد يقف عند الأفصح ويمنع عداه. والثاني متساهل يرفض مالم تتكلم به العرب، ويجيز كل ما تكلمت به، ويساوي بين القبائل في الفصاحة والبيان، فهم من جانب تشددوا في قياسهم اللغوي وطبقوا معيارية صارخة، ومن جهة ثانية كشفوا الألفاظ التي تكلم بها المولدون سواء ما ورد على لسان العامة أم الخاصة، والخاصة تعنى الشعراء المحدثين الذين كشف النقد اللغوي سمات التجديد اللغوي والفني في شعرهم من خلال مقارنة استعمالاتهم في استعمالات القديم.

النقد اللغوي في العصر الحديث:

مرت العربية في القرون الأخيرة بحالة من التردي على ألسنة الخواص بَلْه العوام وفي أقلامهم، حتى أن من كان يعرف الكتابة منهم كان يكتب العامية بالأحرف العربية. وإزاء ذلك تكونت عوامل لنهضة لغوية شاملة بدأت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.

بعد أن كثر الخطأ في كلام الناس وكتاباتهم في العصر الحديث شرع اللغويون يقاومون الخطأ ويوجهون إلى الصواب مثلما فعل أسلافهم. والنقد اللغوي في العصر الحديث نقد تقليدي لأنه امتداد لنقد القدماء، ومن أشهر الكتب التي ظهرت في هذا المجال كتاب (لغة الجرائد) لإبراهيم اليازجي. ويبدو من تصويباته أنه كان متشدداً يؤثر الأفصح ويخطئ ما عداه.

ومن الذين عني بتهذيب اللغة وتنقيتها في هذا العصر الأستاذ أسعد داغر في كتابه (تذكرة الكاتب)، وهو متشدد مثل سلفه إبراهيم اليازجي يأخذ بالأفصح من كلام العرب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير