وفي عام 1939 م ظهر كتاب (أخطاؤنا في الصحف والدواوين) لصلاح الدين الزعبلاوي وقد أقامه على بابين تضمن الأول موضوعات لغوية ونحوية وصرفية، والثاني معجم في الأخطاء اللغوية المنتشرة في الصحف والدواوين. إنّ النقد اللغوي في العصر الحديث لم يختلف عن النقد اللغوي القديم المتمثل في اقتناص الأخطاء اللغوية ونقدها في ضوء شروط ومقاييس الفصاحة. ويختلف النقد الحديث عن النقد القديم بكون الأول قام على أشياء مكتوبة، (لغة الصحافة) والثاني قام على شفاهية مسموعة.
كما إننا نجد القدماء شبه متفقين في الموقف من (لحن العامة) بينما نجد المحدثين غير متفقين بذلك. وسأتطرق في الصفحات القادمة إلى (النقد اللغوي في جهود العراقيين) كنموذج للنقد اللغوي في العصر الحديث.
النقد اللغوي في جهود العراقيين
قدم رجال التصحيح اللغوي في العراق عشرات المباحث التي تنطق بالجهد الكبير في تحديد ما انحرف من الألفاظ والعبارات المستعملة في ألسنة الناطقين وأقلام الكاتبين، ونشرت صحف الوطن العربي ومجلاته الكثير من هذه المباحث منها مجلة (لغة العرب) البغدادية ومجلة (مجمع دمشق) ومجلة (مجمع القاهرة) وغيرها وبعد إنشاء المجمع العلمي العراقي صدرت مجلته وفيها مباحث مخصصة لبيان سلامة اللغة العربية وإصلاح لغة الخاصة والعامة.
وقد شارك في حركة تنقية اللغة وتهذيبها في العراق الأب انستاس الكرملي وكمال إبراهيم ومصطفى جواد وإبراهيم الوائلي وعلي جواد الطاهر ونعمه رحيم العزاوي ونازك الملائكة، فقد ساء هؤلاء اللغويين أن تحيد الأقلام والألسن ونبهوا إلى الصحيح الذي يجب أن يجري عليه الاستعمال.
ولابد من ملاحظة أن اللغويين منذ أواخر القرن الخامس الهجري وحتى يومنا هذا قد نفضوا أيديهم من إصلاح لغة العامة واتجهوا إلى المثقفين وأرباب العلوم يقوّمون ما اعوج عن ألسنتهم ويسددون ما طاش من أقلامهم فكتبهم يمكن أن تسمى كتب (لحن الخاصة).
إن الدارس لمباحث التصحيح اللغوي في العراق يلاحظ وجود ظاهرتين تحددان مناهج الباحثين العراقيين في هذا الباب:
الأولى: ظاهرة التساهل والتجويز في الاستعمالات اللغوية المعاصرة ما دامت تؤدي المعنى المتعارف عليه بين عامة الناس – على الرغم من وجود الانحراف والخطأ فيها – وممن مثل هذه الظاهرة الرصافي والزهاوي وطه الراوي والدكتور إبراهيم السامرائي.
الثانية: التشدد في قبول الاستعمالات اللغوية غير المنصوص عليها في كتب اللغة والدعوة إلى رفضها لأنها خارجة عن سنن اللغة العالية.
وممن يرى هذا الرأي الأب أنستاس الكرملي ومصطفى جواد وكمال إبراهيم وقد وصف الدكتور العزاوي هؤلاء بالمتزمتين أو المتشددين بقوله: وفي عصرنا الحاضر تزمتّ عدد من النقاد أيضاً فسلكوا سبيل ابن فارس ومؤيديه وضيقوا على المنشئين مجال القول وخطروا عليهم مفردات وأساليب بحجة أنها لم تسمع عن العرب، أو لم تكن مما وعته المعجمات؟ ومن هؤلاء إبراهيم اليازجي وعبد القادر المغربي والكرملي ومصطفى جواد وكمال إبراهيم وغيرهم كثير.
فالتزمت في النقد اللغوي إذن مذهب له أتباعه ومؤيدوه في القديم وفي الحديث. وسأتطرق في هذا البحث إلى النقاد اللغويين المحدثين العراقيين – المتشددين منهم والمتساهلين – ومحور النقد عند هؤلاء النقاد هو الألفاظ – فقد ردّ المتزمتون كثيراً من الصيغ والمفردات لأنها لم تنقل عن فصحاء العرب الذين يحتج بأقوالهم فالأب أنستاس الكرملي عرف بسعة علمه وصبره على متاعب التحقيق الدقيق في معرفة أصول الألفاظ وهو من القائلين بالحفاظ على تلك الأصول اللغوية والابتعاد عن كل ما ينأى بها عن البناء الصحيح وعني عناية واضحة بتصحيح الألفاظ التي زاغت عن قواعد الفصحى وأساليبها فنشر الكثير من ذلك في مجلته (لغة العرب) ثم في جريدة (دار السلام) وصحف مصر والشام ومجلاتها.
¥