تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا، ويتجاوز كورتيس سيمياء التواصل التي نجدها عند فرديناند دوسوسير ورولان بارت وجورج مونان وبرييطو وآخرين نحو سيميائية الدلالة التي أسسها أندري جوليان گريماس في دراساته وأبحاثة السيميوطيقية العديدة و خاصة كتابه" في المعنى Du sens". ويعتمد كورتيس في منهجيته السيميوطيقية على المقاربة الوصفية العلمية الرصينة التي تتكئ على الاستقراء والاستنباط منتقلا من مستوى إلى آخر جامعا بين التصور المنهجي والتحليل التطبيقي بشكل تعليمي بيداغوجي.

وإذا كانت اللسانيات الوصفية تهتم بالدال من خلال رصد بنى التعبير والشكل اللغوي للمنطوق، فإن السيميوطيقا لدى كورتيس تهتم بدراسة المحتوى أو المدلول عن طريق شكلنته أي دراسة شكل محتواه. فعلى مستوى شكل المدلول يتم التركيز على النحو والصرف والتركيب وعلى مستوى الجوهر يدرس الجانب الدلالي.

وعليه، فإن التحليل السيميوطيقي لمدرسة باريس غالبا ما ينصب على تناول المعنى النصي من خلال زاويتين منهجيتين: الزاوية السطحية التي يتم فيها الاعتماد على المكون السردي الذي ينظم تتابع تسلسل حالات الشخصيات وتحولاتها، والمكون الخطابي الذي يتحكم في تسلسل الصور وآثار المعنى. وفي الزاوية العميقة ترصد شبكة العلاقات التي تنظم قيم المعنى حسب العلاقات التي تقيمها، وكذلك تبين نظام العمليات التي تنظم الانتقال من قيمة إلى أخرى. وللتبسيط أكثر، فإن السيميوطيقي في تعامله مع النص الحكائي أو السردي يدرس على المستوى السطحي البرنامج السردي ومكوناته الأساسية كالتحفيز والكفاءة والإنجاز والتقويم مع التركيز على صيغ الجهات ودراسة الصور باعتبارها وحدات دلالية وصور معجمية مع إبراز مساراتها والأدوار التيماتيكية مع ربطها بالبنية العاملية والإطار الوصفي. وعلى المستوى العميق يدرس المكون الدلالي والمكون المنطقي باستقراء التشاكل Isotopies والمربع السيميائي Carré Sémiotique الذي يولد التمظهرات النصية السطحية سردا وحكيا. ويقوم هذا المربع السيميائي على تشخيص علاقات التضاد والتناقض والاستلزام. ومن خلال الاختلاف والتناقض والتضاد يولد المعنى في أشكال تصويرية مختلفة ويتمظهر على مستوى السطح بصيغ تعبيرية مختلفة ومتنوعة.

وإذا عدنا إلى كورتيس في كتابه الذي ترجمه زميلنا الدكتور جمال حضري- الباحث الجزائري القدير- وقد توفق في ترجمته أيما توفيق بسبب عربيته السليمة ودقته في ترجمة المصطلحات وتمكنه من الأدوات السيميوطيقية تصورا وتطبيقا سنجد إشارات مهمة إلى عدة مستويات تحليلية منهجية وتطبيقية أثناء التعامل مع النص محايثة وتفكيكا و تركيبا. ويتمثل المستوى الأول في التمظهر النصي الذي يتجسد في النص بكلماته ولغته وتعابيره التي تواجهنا بشكل مباشر وهذا يخرج عن إطار التحليل السيميوطيقي، لكن ما يهم كورتيس هو دراسة المحتوى من خلال التركيز على مستواه الشكلي عبر استقراء المستوى السطحي بوصف وحداته وعلاقاته صرفا ونحوا وتركيبا، والانتقال بعد ذلك إلى تحليل المستوى العميق برصد السيمات Sèmes والبنى الدلالية العميقة التي تولد كل التمظهرات الدلالية السطحية.

ولا يسعنا في الأخير إلا أن نقول بأن كتاب" مدخل إلى السميوطيقا السردية والخطابية" لجوزيف كورتيس كتاب منهجي تطبيقي غني بالفوائد السيميوطيقية النظرية والتحليلية البيداغوجية والتعليمية التي تسعفنا في مقاربة النصوص والخطابات قصد تحديد المعنى بطريقة علمية وصفية مقننة بمجموعة من المستويات اللسانية المنظمة قصد البحث عن القواعد التي تولد النصوص اللامتناهية العدد من أجل معرفة آليات التوليد النصي والخطابي وميكانيزمات الإنتاج السردي والحكائي والقصصي. أي إنه من اللازم البحث علميا ومنطقيا وشكلانيا عن البنيات الثابتة التي تولد المتغيرات النصية بطريقة منطقية ودلالية. ويعد الكتاب الذي يترجمه الدكتور جمال حضري إضافة مهمة في مجال ترجمة النظريات النقدية الحديثة والمعاصرة يمكن أن تستفيد منها المكتبة النقدية العربية التي هي في حاجة إلى تجديد حمولاتها النقدية وأدواتها في المقاربة والتحليل والوصف والتفسير.

السيميائي للخطاب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير