فإذا كان الطقس باردا فوق العادة في منطقة يمتاز مناخها بالاعتدال يدرك الانسان أن مصدر قسوة البرد آتية من سقوط الثلج. أو العكس بالنسبة لاشتداد الحرارة غير العادية والتي تفوق معدلها الفصلي فيدرك بأن مصدرها قد يعود الى وجود حريق. وهذا كله ينتج من وجود علائق قد تكون معقدة بين الشيفرات الطبيعية والتكوين البيولوجي، والحساسية الفسيولوجية للانسان. ومهما يكن من أمر تبقى- كما أكدنا آنفا - الشيفرات الاجتماعية، أكثر تعقيدا، وتتطلب جهدا عمليا، وذكاء فطنا لفهم العلامات الاجتماعية ومحاولة تفسيرها، وفهمها فهما عميقا، فالعلامة كما يعرفها أو لمان هي " نتاج اجتماعي واع يتكون من دال ومدلول يمثلان بوجه عام شيئا أومفهوما غير العلامة - ذاتها" (32).
إن التحليل السيميولوجي يمتد ليشمل جميع الأنظمة السيميوطيقية سواء تمثلة في العلوم الطبيعية أم الاجتماعية أم الثقافية إن هذا العلم كما تنبأ به دي سوسير وتصوره تشارلز سندرس بيرس يطمح الى أن يكون علما لجميع أنساق العلامات لغوية كانت أو غير لغوية، وما زال المشروع السيميائي يبحث عن معالم تحدد أطره المرجعية، وموضوعاته وممارساته الاجرائية وعلاقاته بالعلوم الأخرى لرسم منهجه، وتوضيح مقولاته بدقة. وهو ما حدا بر ولان بارت في كتاباته (ميثولوجيات وامبراطورية العلامات عناصر السيميولوجية) الى إثارة هذه القضايا التي تتعلق بنضج هذا المشروع، فيقون إن "السيميولوجيا ما تزال بحاجة الى تصميم ونعتقد أنه لا يمكن أن يوجد أي كتاب وجيز لمنهج التحليل هذا، وذلك على الأكثر بسبب سمته المتسعة (لأن السيميولوجيا ستكون علم كل أنساق العلامات). وان السيميولوجيا لن تعالج مباشرة إلا عندما تصمم هذه الأنساق على نحو تجريبي". وأمام هذا التراكم السيميائي وما أحدثه من ثورة حقيقية في مناهج العلوم بعامة والانسانية بخاصة، يجد الباحث تنوعا في الطرح وتباينا في التصور، وتعددا في الممارسة التطبيقية، تلتبس فيها السيميائيات - في بعض الحالات ~ بالنظرية التأويلية، ولكن علم العلامات لم يعد حديثا الا بتحديد معالمه وبناء مقولاته، وتبيان أدبياته، واختبار نظرياته وأدواته الاجرائية. والا فإننا نصادف في تاريخ التفكير الفلسفي على كثير من تصوراته عند الشعوب القديمة التي أسهمت في بناء الحضارة الانسانية كالفراعنة والبابليين والا غريق والعرب والمسلمين والرومان .. الخ، إن ميلاد هذا العلم اقترن بثورة التفكير اللساني المعاصر نتيجة ارتباطه الوثيق بالمنجزات والاستكشافات التي حققها العلم الحديث.
الهوامش
1 - ماريو باي: أسس علم اللغة _ ترجمة: أحمد مختار عمر _ ص 112
2 - المرجع السابق: 113.
3 - ابن جني: الخصائص: 1/ 18
4 - ابن هشآم: مغني اللبيب - ص 490.
5 - ينظر: تمام حسان اللغة العربية معناها ومبناها _ ص 189، 204
6 - الزمخشري: المفصل _ ص 6.
7 - الرضي: شرح الرضي على الكافية _ ص 52.
8 - رولان بارت: التحليل البنيوي للسرد _ ترجمة: مجموعة من المؤلفين _ مجلة آفاق المغربية _ ع: 8, 9_ 1988_ ص 9.
9 - المرجع السابق: 9.
0 ا - نفسه: 9
11 - دي سوسير: دروس في الألسنية العامة _ ترجمة: مجموعة من المؤلفين التونسيين. ص: 29.
12 – حنون مبارك: مدخل للسانيات سوسير _ ص: 36.
13 - ينظر يوسف الطعاني: اللغة كأيديولوجية _ مجلة الفكر العربي المعاصر لبنان _ ص: 75.
14 - Hymsler , Prolerrnines a ume therie du - langage ed. Minuit -Paris pp. 9.
15- Hymsier: esrais linginstigues- ed: Minuit –
Paris pp. 29.
16- Andre Mastinet : elements de lin guistique -
generate ed Almand Qlin pp:109.
17- Jean Dubois e1 outs : Dictionnanes de - linguistique - ed: larousx pp. 158.
18- ريمون طحان ودنيز بيطار طحان: فنون التعقيد وعلوم الألسنة – لبنان- ص 292.
19 - Jean Aulois autres: Aictionsire de linguistique -pp.158.
20- ميخائيل باختين: الماركسية وفلسفة اللغة- ترجمة: محمد البكري ريمني العيد- ص 150.
21 - المرجع السابق:155.
22 - نفسه:157.
23 - نفسه: 157.
24 - T. Trdorov Mileal , le principe dialogigue - pp.
95-95.
25- Julia Vristera ) Le Langage cet inconnue - ed Scuit-Paris-pp.: 198.
¥