تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد عرفت سيميائيات التواصل تقدما فعليا في مجال تحليل الرسالة، وذلك بتحديد وظائفها الست. على الرغم من الاهمال الواضح لموضوع "الدلالة "، الذي وجد حرصا كبيرا لدى رولان بارت في إبرازها ضمن توجهات سيميائيات الدلالة، إن وصف اللغة بأنها نظام للتواصل يتضمن قدرا كبيرا من الانسجام سمح للدراسة اللسانية بالاهتمام بالنموذج الذي رسمه جاكبسون: "الباث _الرسالة _المتلقي _ سنن الرسالة - مرجعيتها). ذلك لأنه مكنها من تجاوز التطبيق اللساني المحصور عل جملة محدودة من الخصائص التي تشتمل على الظاهرة اللغوية الى القراءة اللسانية للنصوص ومظاهر التعبير الأخرى. واذا كان جاكبسون حصر الخطاب بين مرسل ومرسل اليه إلا أن لوتمان أشار الى نموذج آخر من التلقي لا يكون بين الباث والمتلقي، وانما هناك خطاب يتجل فيه الحوار الداخلي مثلما هو الشأن بالنسبة الى السيرة الذاتية فيكون بين الباث وذاته .. وهذا ما نلحظه في خطاب طه حسين في مذكراته "الأيام ".

إن علم الدلالة وهو يصنف أنواعها الى طبيعية وعقلية ووضعية لم تفته الاشارة الى مجالات الاتصال سواء أكانت صوتية أم سيميائية، ويكون إسهام العرب جليا في هذا الميدان ولاسيما في احتكاكهم بالفلسفة اليونانية منها المشائية والميغارية - الرواتية. ويذهب عادل فاخوري الى الدرس المقارن بين علم الدلالة عند العرب والسيميائيات الحديثة. ويعطي مثلا مقارنا بين تقسيمات علم الدلالة وتصنيف بيرس الأمريكي للعلامة (30).

يمتد طموح الدرس السيميائي بوصفه علما يقارب الانساق الهلامية الى تخليص حقول المعرفة الانسانية من القيود الميتافيزيقية التي تكبلها، وتعوق أبحاثها من الوصول الى نتائج تجعل منها علوما ذات سلطان لها مكانتها المرموقة في وسط المعرفة الانسانية المعا هوة. وتمكنها من القراءة العلمية الدقيقة لكثير من الاشكاليات المطروحة، والظواهر الانسانية التي لم تتعد إطار التأمل العابر، والتفسير الأفقي الساذج. ولكي يكتسب الدرس السيميائي مشروعية العلم القادر على فحص البنى العميقة للمادة التي يتناولها، ويقترب من عمقها والقوانين التي تركبها، كان لزاما عليه كأي علم أن يحدد منطلقاته المنهجية ومرتكزاته النظرية ويؤسس مقولاته ويمتحن أدواته الاجرائية ويستكشف الحدود التي تفصل بينه وبين العلوم الأخرى، أو التي تقربه منها.

يبدو أن التواصل البشري أعقد من أي تواصل آخر، لأن استعمال العلامة في هذا المجال لا تتم كما قال فريدينا ند دي سوسير إلا داخل الحياة الاجتماعية، لهذا يشترط التعاون قصد إيصال الرسالة الى المتلقي ولن يتحقق ذلك أيضا إلا بالتواضع المتبادل والتوافق حتى يتسنى لأي حوار يقوم بين الباث والمتلقي تقديم أفكار في شكل شيفرات متواضع عليها. لهذا فإن بعض علماء الدلالة انتهوا الى أن "عملية الاتصال لا تظهر بوضوح في العالم الحيواني، إلا عندما يكون هناك تعاون أو نشاط اجتماعي، إن أي اتصال مرتبط في أساسه بالتعاون ... وأن كل حوار اجتماعي مرتبط بالتعاون " (31).

إن التحليل السيميائي للنسق الاجتماعي يهدف الى استكشاف نظام العلاقات داخل المجتمع وعلى الخصوص علاقات الأفراد وحاجاتهم لهذا نلقى أن الأنظمة التي سادت في المجتمع البشري لها من العلامات والأنظمة الرمزية الثقافية، ما تمكن للسيميائي من تحديد شريحة أو فئة أو طبقة اجتماعية، ففي التنظيم العشائري نرى طقوسا وعادات تتجل في جملة من العلامات والرموز ما تتميز به عن نظام اجتماعي آخر في طر اثق الحفلات والأعراس والمأتم والأعياد وغير ذلك من المظاهر الثقافية.

إذا كنا قد أشرنا سابقا الى طبيعة التواصل باشكاله المتعددة فإن هناك شيفرات لكل شكل من هذه الأشكال التواصلية، فالتواصل الحيواني له علامات خاصة به منها ما استكشفه البحث ومنها ما بقي مجهولا، وكذلك الشأن بالنسبة للشيفرات الطبيعية التي تحدد علامات الطبيعة أو إشاراتها، فيتمكن من تلقي رسالتها، سواء عن طريق الادراك الحسي أو العقلي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير