ومع هذه المعطيات التي خرجنا بها من المحور الأول في القصيدة نجد أن الشاعر يعتمد لغة انفعالية في خطابه الشعري، وكذلك تكرار الاسم الموصول ((الذي)) فقد تكرر سبع مرات في عشرة سطور شعرية، وكأن المعجم اللغوي أفلس فلم يجد سوى هذه اللفظة فكررها.
وكنا نقول إن التصوير والتخيل من ضرورات الشعر؛فلا يجب على الشاعر أن يكرر صور الواقع المعاش أو الحياة بل يقدم صورا وتخييلات جديدة إذ سيكون مدعاة للسخرية لو قال الليل ليل والنهار نهار، وها هو شاعرنا يحاول كسر هذه الثوابت بالإقدام على ما سخرنا منه مررا، ولننظر إلى السطرين الشعريين الأخيرين
والذي لم يكن لم يكن
والذي قيل من قبل قيلْ!
إنهما الماء ماء والنهار نهار فلا خيال فيهما مطلقا.
ولا يمكننا أن نسلم بأن هذا النص حديث مع النفس لأنها نشرت في جريدة الأهرام المصرية بل عدد الجمعة الذي يحقق الكم الأكبر من المبيعات بين الجرائد المصرية في هذا الوقت؛بل أفردت له الأهرام صفحة كاملة هي ص:39، بما يقطع معه أن تكون مجرد خواطر عادية، ولأنها لغة شعرية خاطب بها جمهورا كبيرا في أنحاء الوطن العربي بعد فترة من العقم الإبداعي استمرت عشر سنوات لوجدنا أن الهدف منها هو استدرار العطف أو الشفقة بتحويل المشاعر نحو شخصية الشاعر بعيدا عن النص الشعري.
وعدت أتساءل أين الشاعرية؟
أين الانحراف اللغوي؟
أين الوحدة التي تجمع محاور القصيدة؟
إن العنصر الوحيد الرابط جنبات النص هو المعنى، فهل يكفي المعنى لربط النص الشعري؟
هذه كلمات مرصوصة تحت بعضها ولا يربطها رابط فني
وهذا ((المحور الثاني)) من القصيدة:
وأنا لم أعد أعرف الوقت
فالشمس تفلت من بين كفى
والأرض تحتى دائرة كالرحى
والليالى شكولْ!
هل تختلف النظرة فيها عن تلك السابقة؟ صور عقيمة لانفلات الشمس من اليد وحركة الأرض التي تشبه الرحى، صور مكررة لا تمنح خيالا جديدا، وإن كانت أفضل من سابقتها في المحور الأول لكنها لا تخرج كثيرا عن النتائج السابقة في وظائف اللغة عند ياكبسون.
أما المحور الشعري الوحيد في القصيدة فهو المحور الثالث:
وأنا راحل أبداً
لا أفكر فى أن أعود إلى حيث كنت
ولا أتمنى الوصول ْ!
لا أريد من الحلم أن يتحقق
كيلاً يشاركنى الوقت فيهِ!
وتلفحَه الشمس منى،
وتطفئه المتعة العابرة
لا أريد من الحلم شيئا، ً
سوى أن يظل كما هو حلماً،
يرفرف فوق الزمانٍِِِ،
وكان يمكن أن يكون هذا المحور شعريا رائعا بالفعل لولا تدخل الشخصية الذاتية وطغيانها على النفس الشعرية، وغلبتها عليها، فبعد أن شعرنا بالتحليق في أفاق الشعرية خرجنا منها إلى الذاتية المفرطة التي تطغى على جو القصيدة، ولو ترك الشاعر ذاتيته الشعرية تطغى على جو القصيدة لصار هذا المقطع كافيا لعودة جديدة لشاعرنا الغائب.
والقصيدة في مجملها مكونة من ستة محاور ولا تختلف المحاور الثلاثة التالية في التحليل عما قدمه لنا المحور الأول لذلك أقول: ليته ظل صامتا
(*) عصام محمود أحمد، جامعة حلوان، كلية الآداب.
[ i] استعنت بكتاب (تلقي البنيوية في النقد العربي) لبيان موقف الشكلانيين الروس، وكذلك في محاور رومان ياكبسون لوظائف اللغة للكاتب وائل سيد عبد الرحيم.
ـ[محمد أبو النصر]ــــــــ[03 - 08 - 2009, 10:57 م]ـ
[ quote= عصام محمود;361034]
فما يقوم به "الشعراء" في الحقيقة؛ ليس ابتكارا "لصور" جديدة غير موجودة من قبل، وإنما هو إعادة تنظيم وترتيب لهذه "الصور" في نمط جديد، وذلك هو ما يجعلنا نشعر بأنها إبداع واختلاق جديد بخلاف ما هو حادث فعلا.
إذن سيدي فلتبدع لنا النصوص الأدبية التي توافق منهجك ولتطرح لنا أعمالا تسير على هذا النهج عسى أن يخجل الشعراء من أنفسهم إبان هذه النصوص ولك ساحة الإبداع ولنا مواطن النقد هذه واحدة
ـ[محمد أبو النصر]ــــــــ[03 - 08 - 2009, 11:03 م]ـ
وأما الثانية سيدي فهى في قولك
والذي لم يكن لم يكن
والذي قيل من قبل قيلْ!
إنهما الماء ماء والنهار نهار فلا خيال فيهما مطلقا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((لا تقربوا الصلاة)) علينا وخاصة في شعر التفعيلية أو الحر ألا نأخذ الكلمات هكذا مفردة دون رابط بينها وبين أخواتها وبالمثل مع الجمل فإن جاز هذا مع القصيدة العمودية فإنه لا يجوز مع قصيدة التفعيلية فالأفضل نزع المقطوعة كاملا إن صح.
ـ[محمد أبو النصر]ــــــــ[03 - 08 - 2009, 11:06 م]ـ
وأما الثالثة في قولك
وأنا لم أعد أعرف الوقت
فالشمس تفلت من بين كفى
والأرض تحتى دائرة كالرحى
والليالى شكولْ!
صور عقيمة لانفلات الشمس من اليد وحركة الأرض التي تشبه الرحى، صور مكررة لا تمنح خيالا جديدا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
هل وظيفة الصورة الشعرية تقتصر فقط على منح خيالا جديدا؟!!!!
¥