تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يستدعى القدرة على تفسير مفهوم الحقيقة الجمالية ـ فلسفة الأشكال الجمالية ـ في حقبة تاريخية ما من جهة ثانية، والقدرة أيضا على التحقق منه تطبيقيا على جهات معرفية وجمالية شتى لمفهوم الفن هوية ومهمة في هذه الحقبة التاريخية المحددة، فالنظرية ـ أي نظرية ـ بناء نظري معرفي منطقى منهجى إجرائى متعين داخل أحياز الزمان والمكان والبنية الثقافة برمتها والنظرية ـ أية نظرية ـ تخضع لشروط الجدل المعرفى ـ مكملاته ونواقصه ـ من جهة، و مجمل الشروط الرمزية التاريخية لإنتاج الدلالة فيها من جهة ثانية، والنظرية ـ أية نظرية ـ إذ تفعل ذلك فهى تبتغى التماسك والتأطير والامتداد والتأثير والانتقال، ومن هنا كان من الواجب بل من الأمانة العلمية والنقدية للأستاذ خالد الإنشاصى ألا يلقى القول النقدي والمعرفي على عواهنه دون تثبت مما يقول، فالنظرية لا تطابق الإجراء، والمناهج لا تساوى النصوص، وبنية الثقافة لا تعنى بنية الواقع، ولقد كان لفلسفة الشكل الطباعى للقصيدة العربية تاريخ قديم، ولقد أوضح الدكتور محمد نجيب التلاوى وهو حجة في هذا المجال في كتابه المهم (القصيدة التشكيلية في الشعر العربي)) بعضا من الأسس المعرفية والجمالية والنصية والبلاغية التي سعت لتأسيس شكل مختلف للقصيدة العربية القديمة، ولكن ثمة فرق جوهرى بين فكرة التشكيل البصري في القصيدة الحداثية وفكرة اللعب التزيينى الخارجى في القصيدة الكلاسيكية القديمة، فشتان بين شعر يخرج علي القواعد من داخلها، فلا يحطمها تحطيما ثم يسقط في حدود التجريب الوهمى الذي يمارس تجربته خارج القواعد والأنساق والرؤى والأشكال السابقة، أو يزيل حدوده الجمالية الخاصة بحده الجمالي النوعى، ليدخل في حدود جنس آخر، وفرق كبير بين خروج تأسيسى أصيل، وخروج خارجى سطحى زائف، فهناك تجريب يتم ويستمر تحت ضغوط تحولات حساسية الحياة، وتنامى تقاليد الجمال الجديدة، وتجريب يتم وفق جواهز تصورية قبلية تصلح كبدائل عقلانية مسبقة، وهذا التجريب فيما نرى ضرره أكثر من نفعه،بل تعد ولادته غير شرعية، فلم يتناسل من رحم الحياة، أو رحم التقاليد الجمالية المستبصرة بواقعها ومستقبلها في آن. ومن أجل فك الخيوط المعرفية المتداخلة المشتبكة على غير نظام في بنية مصطلح التجريب، ويجب التفريق هنا بين مصطلحات قد تبدو متشابهة ومتقاربة: فيجب أن نفرق بدقة حاسمة بين:التجريب واللعب والعبث والتهريج، فلكل مصطلح من هذه المصطلحات بنيته المعرفية والشعورية الخاصة به، وسنستعين هنا برأى الدكتور يحي الرخاوى في التفرقة بين هذه المصطلحات ((فالعبث ليس لعبا خياليا حرا، بل هو اصطناع لعب خبيث، يدعى الحرية، وهو يتعمد إفساد أي منظومة سابقة، حتى لو كانت تمثل حرية وتجددا وطزاجة، أما اللعب فهو نشاط حر يمارس لذاته، لكن اللعب ليس إبداعا في ذاته، وإن كان يعتبر موازيا للإبداع إذ يحافظ عل المرونة وطلاقة المسار، أما التجريب فهو ليس أيا من هذا ولا ذاك فهو نشاط حر حرية متوسطة، ولكنه لا ينشط لذاته بذاته، وإنما لما يحاول تحقيقه، كذلك فهو يتناثر في محاولة ضامة، وإن لم تكتمل عادة، بمعنى أن التجريب هو محاولة لعب مبدئية لا تنتهي عند اللعب بل تأمل أن يتخلق منها الجديد الأصيل، وكذلك فإن التجريب هو مغامرة تفكيك مثل الجنون لكنه جنون في تناثر محسوب، ينوى من البداية أن يتجمع سواء نجح أم فشل)،وهذا يعنى أن التجديد التجريبي في أشكال الشعر والقائم على المرونة، والطلاقة، والأصالة والحرية يحاور الأصول الجمالية والمعرفية السابقة عليه محاورة كيفية نوعية خلاقة باستمرار، بما يدفع بنيتها التركيبية إلى الأمام، مجددا بنيتها الكلية تجديدا جذريا، إنه ممارسة خلاقة للتشذير من أجل إعادة التكوين، واشتعال للجنون من اجل إعادة بناء العقل، التجريب الأصيل لعب محسوب، وحرية موزونة، وهدم باني، وجنون عاقل غير مطلق في السديم أو الفوضى، أما التجريب القائم على الفوضى والعبث والتحطيم واللعب لذاته فهو تجريب صغار المبدعين غير القادرين على تمثل دفق التقاليد الجمالية والمعرفية واللغوية والبلاغية والأسلوبية السابقة من جهة، وتمثل الدفق الهادر للحياة من جهة أخرى، دفعا لهما تجاه مثال جمالي جديد، وقد عانينا من تجريب الصغار كثيرا في المشهد الشعري العربي المعاصر، والأمر هنا كما يقول الناقد الفرنسي جورج

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير