تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا الإلحاح على وضع اللفظ حسب المصطلح عليه، دفع حازما القرطاجني، إلى تنبيه الشعراء في كثير من أبواب كتابه على خطورة الانحراف باللفظ عن معناه المتعارف عليه، فنجده يقول لهم، على سبيل المثال، "إذا كان في اللفظة عرف في طريق من الطرق الشعرية فالواجب ألا تستعمل في مضاد ذلك الطريق"9 وقوله كذلك: "إنما وجب أن يستعمل في كل طريق الألفاظ المستعملة فيه عرفا لأن ما كثر استعماله في غرض ما واختص به أو صار كالمختص لا يحسن إيراده في غرض مناقض… ولأنه غير لائق به لكونه مألوفا في ضده وغير مألوف فيه"10

لقد ساقنا لهذا التمثيل، البرهنة على موقع المصطلح في نظرية حازم القرطاجني النقدية، وهو ولا شك كما يكشف عن نفسه، موقع بارز ومصيري يرتهن فهم النص به، وليس للباحث منه مهرب، من هنا يتحتم استكناه ألفاظ المنهاج ومصطلحاته القوية الدلالة على التلقي، تمهيدا للعبور نحو نقده الذي ينغلق أمامك ولاشك، قبل أن تلوذ بألفاظه ومصطلحاته، هاتكا عنها القناع، لاسيما أن لغة حازم القرطاجني – كما أكد محقق المنهاج في المدخل الذي مهد به- "مستعصية لا يمكن لمن يجهل الاصطلاحات المنطقية النفوذ إلى ما وراءها. كما لا يتسنى لمن لم يألف الاستعمالات الحكمية أن يدرك غرضه منها بسهولة، فطالما ركن القرطاجني مثل ابن سينا إلى استعمال ألفاظ فلسفية… واتخذ لنفسه مصطلحات جديدة… وربما استمد من اليونانية بعض تلك الاصطلاحات"11 بناء على ما ذكر، ألفينا الباحثين يلحون على أن يتم البدء بدراسة المصطلحات قبل كل شيء، فهذا الدكتور، إبراهيم أنيس يرى أن، "التعاسة بين بني الإنسان في هذه الدنيا تعزى أولا وقبل كل شيء إلى تباين الناس في دلالة الألفاظ واختلاف فهمهم لها، وافتقاد الأسس والمقاييس المشتركة في أذهانهم نحو تلك الدلالة"12 هذا الإحساس بقيمة المصطلحات، دفع الدكتور الشاهد البوشيخي للقول إن "دراسة المصطلحات من أوجب الواجبات وأسبقها وآكدها على كل باحث في أي فن من فنون التراث، لا يقدم – ولا ينبغي أن يقدم- عليها تاريخ ولا مقارنة، ولا حكم عام ولا موازنة، لأنها الخطوة الأولى للفهم السليم الذي عليه يبنى التقويم السليم "13

فإذا كانت دراسة المصطلحات من أوجب الواجبات عند الاقتراب من عوالم التراث بغض النظر عن خصوصياته ولغته، فما بالك بخطاب نقدي يبوئ المصطلح مكانة سامية كما هو الأمر بالنسبة لحازم القرطاجني؟ وهذا ما تفطن له الدكتور علي لغزيوي عند دراسته مناهج النقد الأدبي في الأندلس بين النظرية والتطبيق خلال القرنين السابع والثامن للهجرة، يقول "لم يفتني الوقوف عند المصطلحات النقدية الكبرى تعريفا ودراسة، في سياقها العام، باعتبار أن المصطلح هو عمدة الخطاب النقدي والبلاغي، ومفتاح النص، ولاسيما بعد أن تبين لي أن هناك وعيا كبيرا وعميقا بأهمية المصطلح عند النقاد والبلاغيين الأندلسيين"14 ويكشف لنا الباحث نفسه في معرض آخر أهمية تلك الدراسة المصطلحية عند حازم القرطاجني خاصة، بقوله إن "مصطلح حازم يتميز بخصوصيته، لكونه مرتبطا ببنية كتابه ومنهجه، مما يجعل دراسته ضرورة ملحة لفهم نظريته"15 إن المصطلح ذاته يساهم في عملية التواصل بين المتكلم والمخاطب وبين المبدع والمتلقي، لذا، يرى الدكتور مصلوح أن "المصطلح هو عقد اتفاق بين الكاتب والقارئ وشفرة مشتركة يتمكنان من إقامة اتصال بينهما لا يكتنفه غموض أو لبس، ولعل فوضى المصطلح هو الداء العضال الذي يتهدد دراسة الأدب"16

واحتلال المصطلح لهذه المنزلة السامية في فهم الخطاب النقدي، هو الذي حجب عنا التوصل إلى كثير من أحكام الأسلاف حول قضايا بارزة في النقد والبلاغة، كل ذلك بسبب سوء الفهم والسقوط في الإبهام المصطلحي، لذا، حسب الدكتور حسن طبل، "لا يزال كثير من المصطلحات النقدية في موروثنا القديم يرزح تحت ضباب كثيف من الغموض يحول دون الرؤية الواضحة لمدلوله في نظر نقادنا القدماء، الأمر الذي يمثل حجر عثرة في سبيل التفهم الحقيقي لطبيعة القضايا والمواقف النقدية التي تتردد فيها تلك المصطلحات"17

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير