تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتزداد ضرورة ضبط المصطلحات عند حازم خاصة، لأن الملاحظ حسب الدكتورة فاطمة عبد الله الوهيبي "أن كثيرا من مصطلحات حازم ثنائية مزدوجة أو مركبة، كما أن مصطلحاته النقدية إما مبتكرة أو معدلة فليس ثمة موروث بقي كما هو. والتعليل غالبا ما يأتي معمقا، ويضيف إضافاته بمزيد من التحديد للمفهوم بتعميقه وإغناء أبعاده في نسق مفهومي وشبكة علاقات مع مصطلحات أخرى"18

هذه الخصائص التي يتميز بها المصطلح الحازمي، تجعلنا نركز كثيرا على ضبطه جيدا، واعتبار ذلك المدخل الذي لا غنى عنه من أجل الغوص في أعماق الخطاب النقدي وإدراك أسراره. ويتأكد هذا العمل بالنظر إلى خصوصية التلقي نفسه، وهو موضوع متصل بالفهم الجيد الذي من شأن غيابه أو انعدامه التشويش على عملية التلقي والإخفاق في التواصل. بناء على هذا الحكم "كانت الحاجة ماسة إلى ضبط المصطلح النقدي في ذلك الموروث، وتحديد مدلوله تحديدا دقيقا يقوم على استقراء النصوص والتفهم الواعي لأنماط السياق وطبيعة المواقف التي يتردد فيها، فهذا التحديد يمثل الخطوة الأولى في دراسة النقد"19 كما أن نقد حازم الغني بالمصطلحات يتيح إمكانية خصبه لدراستها، تقول الدكتورة الوهيبي: "أما مهمة الابتكار عند حازم فتتمثل في طريقة تشغيله للمصطلحات مجتمعة متناغمة، أي تكمن في إعطاء المصطلح حيويته الوظيفية لا لينصب كمصطلح منفردا، بل ليشكل مع مجموعته أو منظومته من المصطلحات آليات فاعلة في إنتاج نظريته النقدية"20

وليس يهمنا في منهاج البلغاء وسراج الأدباء رصد مصطلحاته وألفاظه كلها، لأن ذلك لا يخدم الموضوع الذي سيركز على التلقي عند حازم القرطاجني. وبناء عليه، فلن أحتفل في هذه الدراسة باللفظ والمصطلح عند حازم القرطاجني إلا إذا كان دالا على التلقي ومنتميا إليه.

والانطلاق من دراسة ألفاظ الخطاب النقدي ومصطلحاته عند حازم، مسعف لا محالة في كشف ظلال التلقي في ذلك الخطاب، حيث إن اللغة هي وسيلة النقاد والشعراء المثلى للتعبير عن أغراضهم، وهذا ما فطن له عدد من الباحثين، يقول الباحث شكري المبخوت: "إن دراسة دقيقة للمصطلح الخاص بأثر الكلام في النفس تساعد لا محالة على فهم المظهر الجمالي من المتقبل… نذكر على سبيل التمثيل .. مصطلحات من قبيل السرور والطربة والبهجة والأريحة والاستظراف والارتياح والمسرة والتعجب والروعة والشغف والروح والإيناس والبهجة. كما نجد عند حازم القرطاجني في هذا الباب الإيناس والاستجمام والاستلذاذ والتأنيس والابتهاج"21

وإذا كانت ألفاظ التلقي ومصطلحاته غزيرة في منهاج البلغاء، فإنها مع ذلك تتميز بعدة خصائص، مثل التنوع والتفاوت والكثرة والقلة.

فبعض تلك الألفاظ والمصطلحات هيمن على المصنف وتكرر وروده بشكل لافت للنظر، ينم عن إصرار الناقد على الإكثار منه لصلاته الوثيقة بالتلقي، وبعضها الآخر، وإن قل وروده أو تراوح بين الكثرة والقلة، فإن مجيئه على تلك الصيغة لم يخل من دلالات التلقي، لا سيما عند اقترانه بسياقات خاصة، أكسبته قوة الانتساب إلى موضوع البحث. كما أن بعض تلك الألفاظ والمصطلحات يدل صراحة على التلقي باستعمال مادة لقي ومشتقاتها، وبالانتقال من المجرد نحو المزيد، وما يترتب عن ذلك من تعدد في المعاني، وتوسيع في الدلالات. ومن هذه المادة ذات الأصل الثلاثي نجد حازما القرطاجني يتحدث عن الإلقاء والتلقي بصيغة المفرد والجمع. وفي أحيان أخرى نرى حازما ينتقل من استعمال اللفظ أو المصطلح إلى توظيف مرادفه، أو أحد معانيه الاصطلاحية المأخوذة من المعنى اللغوي.

وفي مناسبات أخرى يجنح الناقد إلى استعمال ألفاظ ومصطلحات هي مظاهر للتلقي أو نتيجة من نتائجه. وعموما، يكتشف قارئ نقد حازم في المنهاج، أن الرجل قد ركز على أثر الكلام أو القول في المتلقي، وجعل النفس هي المستقبل الأول لهذا الأثر، والمعبرة عن هذا الانفعال والحركة. لقد اعتبر حازم القرطاجني الكلام الجيد صادرا من نفس المبدع مرسلا لنفس المتلقي، من أجل خدمة غرض أساسي، ألا وهو إحداث الأثر في تلك النفس، ودفعها للتفاعل مع مضمون ذلك الكلام/القول والانقياد لمقتضاه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير